يَعْمَلُونَ) (٨٨) (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) بمعنى الكتب (وَالْحُكْمَ) الحكمة (وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) أي بهذه الثلاثة (هؤُلاءِ) أي أهل مكة (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها) أرصدنا لها (قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٨٩) هم المهاجرون والأنصار (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى) هم (اللهُ فَبِهُداهُمُ) طريقهم من التوحيد والصبر (اقْتَدِهْ) بهاء السكت وقفا ووصلا وفي قراءة بحذفها وصلا (قُلْ) لأهل مكة (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي القرآن (أَجْراً) تعطونيه (إِنْ هُوَ) ما القرآن (إِلَّا ذِكْرى) عظة (لِلْعالَمِينَ) (٩٠) الإنس والجن (وَما قَدَرُوا) أي اليهود (اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظموه حق
____________________________________
عليهم ، فلو غير مقتضيه للوقوع أو هو خطاب لهم والمراد غيرهم.
قوله : (أُولئِكَ) أي الأنبياء المتقدمون وهم الثمانية عشر. قوله : (الحكمة) أي العلم النافع أي المراد بالحكم الفصل بين الناس والقضاء بينهم. قوله : (فَقَدْ وَكَّلْنا) أي وفقنا وأعددنا للقيام بحقوقها ، وهذا التعليل لجواب الشرط محذوف تقديره فلا ضرر عليك لأننا قد وكلنا الخ ، وفي هذه وعد من الله بنصره وإظهار دينه. قوله : (لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) أي بل هم مستمرون على الإيمان بها ، والمعنى لا تحزن يا محمد على كفر أهل مكة ، فإن من كفر منهم وباله على نفسه ، وأما آيات الله فقد جعل لها أهلا يؤمنون بها ويعملون إلى يوم القيامة. قوله : (من التوحيد الخ) دفع ذلك ما يقال إن هذه الآية تقتضي أن رسول الله تابع لغيره من الأنبياء ، مع أن شرعه ناسخ لجميع الشرائع ، وأن كلهم ملتمسون منه ، فأجاب بأن الاقتداء في التوحيد الصبر على الأذى ، لا في فروع الدين. قوله : (وقفا ووصلا) أما الوقف فظاهر ، وأما الوصل فإجراء له مجرى الوقف ، قال ابن مالك :
وربما أعطى لفظ الوصل ما |
|
للوقف نثرا وفشا منتظما |
قوله : (الإنس والجن) أي ففي الآية دليل على عموم رسالته للعالمين إلى يوم القيامة ، وقد احتج العلماء بهذه على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ، وبيانه أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم ، فكان نوح صاحب احتمال أذى على قومه وإبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة في سبيل الله عزوجل ، وإسحاق ويعقوب وأيوب وأصحاب صبر على البلاء والمحن ، وداود وسليمان أصحاب شكر على النعم ، ويوسف جمع بين الصبر والشكر ، وموسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة ، وزكريا ويحيى وعيسى والياس من أصحاب الزهد في الدنيا ، واسماعيل صاحب صدق الوعد ، ويونس صاحب تضرع وإخبات ، ثم إن الله أمر نبيه أن يقتدي بهم في جميع تلك الخصال المحمودة المتفرقة فيهم ، فثبت بهذا أنه أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال والله أعلم ا ه من الخازن.
لكن قد يقال إن المزية لا تقتضي الأفضلية ، ولذا قال أشياخنا المحققون إنه وإن كان جامعا لجميع ما تفرق في غيره ، لتفضيله من الله لا بتلك المزايا ، فقد فاقهم فضلا ومزايا.
ـ تتمة ـ بين آدم ونوح ألف ومائة سنة وعاش آدم تسعمائة وستين سنة وكان بين إدريس ونوح ألف سنة ، وبعث نوح لأربعين سنة ، ومكث في قومه ألف سنة إلا خمسين ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة ،