فيجازي كلا منهم بعمله (الَّذِينَ) نعت أو بدل من الذين قبله (يَقُولُونَ) يا (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) صدقنا بك وبرسولك (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٦) (الصَّابِرِينَ) على الطاعة وعن المعصية نعت (وَالصَّادِقِينَ) في الإيمان (وَالْقانِتِينَ) المطيعين لله (وَالْمُنْفِقِينَ) المتصدقين (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ) الله بأن يقولوا اللهم اغفر لنا (بِالْأَسْحارِ) (١٧) أواخر الليل خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم (شَهِدَ اللهُ) بين لخلقه بالدلائل (أَنَّهُ لا إِلهَ) أي لا معبود في الوجود بحق (إِلَّا هُوَ وَ) شهد بذلك (الْمَلائِكَةُ) بالإقرار (وَأُولُوا الْعِلْمِ) من الأنبياء والمؤمنين بالإعتقاد
____________________________________
السبع في جميع لفظ رضوان الواقع في القرآن إلا الثاني في المائدة فإنه بالكسر بإتفاق السبعة ، وهو قوله من اتبع رضوانه سبل السّلام ، والمكسور قياسي والمضموم سماعي ومعناهما واحد ، وقول المفسر كثير أخذ الكثرة من التنوين. قوله : (أي رضا كثير) أي عظيم لا سخط بعده أبدا. قوله : (فيجازي كلا منهم بعمله) أي فيدخل المتقين الجنة والعاصين النار. قوله : (نعت) أي للذين اتقوا. قوله : (على الطاعة) أي على فعلها ، وقوله : (وعن المعصية) أي نهاهم الله عنها فأمسكوا عنها وانتهوا.
قوله : (وَالصَّادِقِينَ) إن قيل كيف دخلت الواو على هذه الصفات مع أن الموصوف فيها واحد؟ أجيب بجوابين : أحدهما أن الصفات إذا تكررت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو وإن كان الموصوف بها واحدا ، ودخول الواو في مثل هذا للتفخيم لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة بمدح الموصوف بها ، ثانيهما لا نسلم أن الموصوف بها واحد بل هو متعدد ، والصفات موزعة عليهم ، فبعضهم صابر وبعضهم صادق ، ففيه إشارة إلى أن بعضها كاف في المدح. قوله : (في الإيمان) أي صدقوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم. قوله : (المطيعين لله) أي بأي نوع من أنواع الطاعة. قوله : (بأن يقولوا اللهم اغفر لنا) أي أو غير ذلك من أنواع الطاعات ، فالمراد بالمستغفرين المتعرضون للمغفرة إما بسؤال المغفرة أو غيرها من الطاعات. قوله : (وآخر الليل) ويدخل بالنصف الأخير منه ، وقيل الأسحار ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فينبغي اغتنام هذين الوقتين فإن لم يمكن الأول فالثاني.
قوله : (شَهِدَ اللهُ) سبب نزولها أن حبرين من أحبار الشام قدما على رسول الله بالمدينة فقالا له نسألك عن شيء آخر إن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك ، فقال سلا ، فقالا له أخبرنا عن أعظم شهادة في القرآن فنزلت فآمنا به ، ولكونها أعظم كان وقت نزولها حول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فحين نزلت تساقطت تلك الأصنام ، وورد في فضلها أنه يوم القيامة يجاء بمن كان يحفظها فيقول الله تعالى لعبدي هذا عندي عهدا فأوفيه إياه أدخلوا عبدي الجنة فيدخلونه من غير سابقة عذاب ، ومن فضلها أنها تقلع عرق الشرك من القلب وتنفع من الوسواس ، ولذا اختارها العارفون في ختم صلاتهم فيقرؤونها عقب كل صلاة ، ثم أعلم أن معنى الشهادة الأقرار باللسان ، والإذعان بالقلب وذلك مستحيل على الله تعالى ، فالمراد بين وأظهر لخلقه بالدلائل القطعية أنه الخ ، ففي الكلام استعارة تبعية حيث شبه البيان بالشهادة ، واستعار اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من الشهادة شهد بمعنى بين ، والجامع الوثوق بكل ، لأن من أقر وأذعن حصل له وثوق ، كما أن من بين حصل للسامع وثوق بخبره ، وإلى ذلك أشار المفسر بقوله : (بين لخلقه الخ). قوله : (في الوجود) أي الدنيوي والأخروي. قوله : (وَ) (شهد بذلك) (الْمَلائِكَةُ) أشار