وفي قراءة فرهان جمع رهن (مَقْبُوضَةٌ) تستوثقون بها وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقييد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشد ، وأفاد قوله مقبوضة اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهنه (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) أي المدين (أَمانَتَهُ) دينه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في أدائه (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) إذا دعيتم لإقامتها (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٢٨٣) لا يخفى عليه شيء منه. (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا) تظهروا (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من السوء والعزم عليه (أَوْ
____________________________________
قوله : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) يصح عطفه على فعل الشرط فهو في محل جزم ، أو على خبر كان فهو في محل نصب ، أو حالا فهو في محل نصب أيضا ، ولم يقل ولا شهودا لأن الشأن وجودهم إذ ذاك بخلاف الكاتب. قوله : (فَرِهانٌ) مبتدأ وقوله (مَقْبُوضَةٌ) صفته وخبره محذوف قدره المفسر بقوله تستوثقون بها والجملة جواب الشرط في محل جزم. قوله : (جمع رهن) أي كل من رهن ورهان جمع لرهن. قوله : (وبينت السنة الخ) جواب عن سؤال مقدر ، وهو أن مفهوم الآية أن الرهن في الحضر لا يسوغ أخذه أجاب بأن السنة بينت الجواز في الحضر. قوله : (لأن التوثق فيه أشد) أي لأن الغالب في السفر عدم وجود الكاتب ونسيان الدين والتعرض للموت. قوله : (اشترط القبض في الرهن) أي وهل يشترط من الراهن الاقباض بأن يسلمه الرهن بيده خلاف عند مالك والشافعي والمعتمد عدم اشتراطه ولا بد أن يكون القبض بعلم الراهن أو وكيله ورضاه ، فلو سرقه المرتهن مثلا ومات الراهن أو فلس فلا يختص المرتهن به بل هو أسوة الغرماء.
قوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي رضي بعضكم وهو صاحب الدين بأمانة بعض وهو المدين. قوله : (فلم يرتهنه) تفريع على قوله فإن أمن الخ. قوله : (فَلْيُؤَدِّ) الخ جواب الشرط وقرن بالفاء لأن الجملة طلبية ، وقد أكد ذلك بأمور : منها الأمر ، ومنها تسميته أمانة ، ومنها الأمر بتقوى الله في الأداء ، ومنها التصريح بقوله : الله ربه. قوله : (دينه) إنما سماه أمانة لأنه صار لا يعلم إلا منه. قوله : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) أي ليخش عقاب ربه في الأداء ولا يماطله به.
قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) أي الإقرار بالدين وسمي شهادة لأنه لا يعلم إلا من المدين فكأنه شاهد بالدين ، فحيث كتمه فقد كتم الشهادة بالدين. قوله : (فَإِنَّهُ آثِمٌ) جواب الشرط وقلبه فاعل بآثم. قوله : (ولأنه إذا تبعه غيره) أي في الأثم لأنه سلطان الأعضاء إذا صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله ، قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) أي فيجازي الخلق على أعمالهم خيرا أو شرا. قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي ملكا وخلقا وعبيدا وهذا كالدليل لما قبله ، وعبر بما تغليبا لغير العاقل لكثرته. قوله : (تظهروا) (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) أي فتفعلوا بمقتضاه. قوله : (والعزم عليه) عطف تفسير وهذا هو محل المؤاخذة ، وهو إشارة لجواب عن الآية حيث عمم في المؤاخذة مع أن لا يؤاخذ إلا بالفعل أو العزم عليه ، ولكن ينافيه ما يأتي من أن عموم الآية منسوخ بآية (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) إلا أن يقال إنه إشارة لجواب آخر ، فما يأتي على هذا بيان للمراد هنا ، والحاصل أنه إن أبقيت الآية على عمومها