خارجا عن الطاعة لطاعتهم له فيها وهو إبليس (لَعَنَهُ اللهُ) أبعده عن رحمته (وَقالَ) أي الشيطان (لَأَتَّخِذَنَ) لأجعلن لي (مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً) حظا (مَفْرُوضاً) (١١٨) مقطوعا أدعوهم إلى طاعتي (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الحق بالوسوسة (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) ألقى في قلوبهم طول الحياة وأن لا بعث ولا حساب (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَ) يقطعن (آذانَ الْأَنْعامِ) وقد فعل ذلك بالبحائر (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) دينه بالكفر وإحلال ما حرم الله وتحريم ما أحل (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا) يتولاه ويطيعه (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) (١١٩) بينا لمصيره إلى النار المؤبدة عليه (يَعِدُهُمْ) طول العمر (وَيُمَنِّيهِمْ) نيل الآمال في الدنيا وأن لا بعث ولا جزاء (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ) بذلك (إِلَّا غُرُوراً) (١٢٠) باطلا (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) (١٢١) معدلا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعدهم الله ذلك وعدا وحقه حقا (وَمَنْ) أي لا أحد
____________________________________
(كاللات والعزى ومناة) اللات مأخوذ من إله والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، فاقتطعوها وسموا بها أصنامهم. قوله : (بعبادتها) الباء سببية أي فالمسؤول لهم على عبادتها الشيطان ، فعبادتها لازمة لعبادة الشيطان لأنه يحضر عندهم ، فهم في الصورة يعبدون الأصنام ، وفي الحقيقة العبادة للشيطان. قوله : (مَرِيداً) أي متمردا بمعنى بلغ الغاية في العتو والفجور لخروجه عن طاعة ربه ، حتى أمر الناس بعبادة غير الله. قوله : (لَعَنَهُ اللهُ) صفة ثانية لشيطانا. قوله : (عن رحمته) أي جنته وما فيها.
قوله : (وَقالَ) الخ ، الجملة إما صفة لشيطانا أو حال منه ، أي ما يدعون إلا شيطانا بكونه مريدا ، وبكونه مطرودا عن رحمته ، بكونه قائلا أو حال كونه قائلا ، وهذا القول قد وقع منه عند قول الله تعالى : (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ). قوله : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) ورد أنهم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف ، لما في الحديث : «ما أنتم فيمن سواكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود» وورد أن يوم القيامة يقول الله لآدم : أخرج من ذريتك بعث النار ، فيقول : يا رب وما بعث النار ، فيقول الله تعالى : أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فعند ذلك تشيب الأطفال من شدة الهول.
قوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) (عن الحق) أي أميلن قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد. قوله : (وقد فعل ذلك بالبحائر) جمع بحيرة وهي أن تلد الناقة أربعة بطون وتأتي في الخامس بذكر ، فكانوا لا يحملون عليها ، ولا يأخذون نتاجها ، ويجعلون لبنها للطواغيت ، ويشقون آذانها علامة على ذلك. قوله : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) أي ما خلقه ، ومن ذلك تغيير صفات نبينا الواقع من اليهود والنصارى ، وتغيير كتبهم ، ومن ذلك تغيير الجسم بالوشم ، وتغيير للشعر بالوصل ، لما في الحديث : «لعن الله الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة». قوله : (خُسْراناً مُبِيناً) أي لأنه ضيع رأس ماله وهي طاعة الله وعبادته. قوله : (إِلَّا غُرُوراً) أي مزين الظاهر فاسد الباطن. قوله : (أُولئِكَ) أي أولياء الشيطان. قوله : (معدلا) أي منفذا ومهربا.
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بيان لوعد المؤمنين إثر بيان وعيد الكفار. قوله : (أي وعدهم الله ذلك وعدا) أشار بذلك إلى أن وعدا وحقا منصوبان بفعلين محذوفين من لفظهما ، ويصح أن يكون حقا صفة