(فَاذْكُرُونِي) بالصلاة والتسبيح ونحوه (أَذْكُرْكُمْ) قيل معناه أجازكم ، وفي الحديث عن الله «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه»
(وَاشْكُرُوا لِي) نعمتي بالطاعة (وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢) بالمعصية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا)
____________________________________
عطف عام على خاص ، قوله : (ونحوه) أي كالتهليل والتحميد ، وإنما قال بالصلاة لأن الذكر إما باللسان أو الجوارح أو بالجنان ، ولا شك أن الصلاة جامعة لكل ذكر ، فالقراءة والتكبير والتسبيح والدعاء ذكر لساني ، والركوع والسجود ذكر بالجوارح والخشوع والخضوع والمراقبة ذكر قلبي ، قوله : أي خاليا وبعيدا عن الخلق ، قوله : (ذكرته في نفسي) أي أعطيه عطايا لا يعلمها غيري ، قوله : (ومن ذكرني في ملأ) أي بين الناس ، قوله : (ذكرته في ملأ) أي أعطيته عطايا ظاهرة لعبادي وأظهر فضله لهم ، إن قلت إن الإنسان قد يذكر الله بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم كالصحابة فأي ملأ خير من النبي ، قلت أجيب بأن الشيء يشرف بما نسب إليه ، فإن المجلس ينسب لكبيره وفرق بين حضرة الله وملائكته ، وبين حضرة النبي وأصحابه ، وأيضا كون النبي في حضرة الله اشرف من نفسه في حضرة أصحابه ، فمعنى قوله خير من ملئه ذكرته في حضرة النبي والملائكة المقربين في الملأ الأعلى ، ولا شك أن تلك الحضرة لا يعدلها شيء أبدا ، والملأ بالقصر الجماعة الأشراف قوله : (خير) بالجر صفة الملأ وقيل معنى اذكروني تذللوا لجلالي ، أذكركم أكشف الحجب عنكم وأفيض عليكم رحمتي وإحساني وأحبكم وأرفع ذكركم في الملأ الأعلى لما في الحديث : «ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا» وفي الحديث أيضا «إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل : إني أحب فلانا فأحبه» فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» وهذا من جملة الثمرات المعجلة ، وأما المؤجلة فرؤية وجهه الكريم ورفع الدرجات وغير ذلك وينبغي للإنسان أن يذكر الله كثيرا لقوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ولا يلتفت لواش ولا رقيب ، لقول السيد الحفني خطابا للعارف بالله تعالى إستاذنا الشيخ الدردير :
يا مبتغي طرق أهل الله والتسليك |
|
دع عنك أهل الهوى تسلم من التشكيك |
إن اذكروني لرد المعترض يكفيك |
|
فاجعل سلافا الجلالة دائما في فيك |
ولا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه ، فربما ذكر مع غفلة يجر لذكر مع حضور ، لأنهم شبهوا الذكر بقدح الزناد ، فلا يترك الإنسان القدح لعدم إيقاده من أول مرة مثلا بل يكرر حتى يوقد ، فإذا ولع القلب نارت الأعضاء فلا يقدر الشيطان على وسوسته ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) وخفت العبادة على الأعضاء فلا يكون على الشخص كلفة فيها ، قال العارف :
إذا رفع الحجاب فلا ملالة |
|
بتكليف الإله ولا مشقة |
ويكفى الذاكر من الشرف قول الله تعالى في الحديث القدسي «أنا جليس من ذكرنى» وقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وهل الأفضل الذكر مع الناس أو الذكر في خلوة ، والحق التفصيل ، وهو إن كان الإنسان ينشط وحده ولم يكن مدعوا من الله لهداية الناس فالخلوة في حقه أفضل ، وإلا فذكره مع الناس أفضل إما لينشط أو ليقتدي الناس به ، نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذكره. قوله : (وَاشْكُرُوا