تهتم بتخلفهم عنك المعنى قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) حثهم على القتال ورغبهم فيه (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ) حرب (الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) منهم (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (٨٤) تعذيبا منهم فقال صلىاللهعليهوسلم والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران (مَنْ يَشْفَعْ) بين الناس (شَفاعَةً حَسَنَةً) موافقة للشرع (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ) من الأجر (مِنْها) بسببها (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) مخالفة له (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ) نصيب من الوزر
____________________________________
قوله : (المعنى قاتل ولو وحدك) أي فكان من خصائصه صلىاللهعليهوسلم أنه إذا هم بالحرب لا يرجع حتى يحكم الله بينه وبين عدوه. قوله : (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) أي بالآيات الواردة في فضل الجهاد ، فإن تخلفوا بعد ذلك فلا يضرونك ، وإنما وبالهم على أنفسهم. قول : (عَسَى اللهُ) الخ ، هذا وعد من الله بكفهم ، وهو وإن ورد بصيغة الترجي ، فهو في المعنى محقق لتعلق قدرته وإرادته بذلك ، ويستحيل تخلف ما تعلقا به ، لأنه يصير عاجزا ، فلا فرق في تحقق وعد الله بين أن يرد بصيغة الترجي أو غيره. قوله : (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) أي قوة وسطوة. قوله : (تَنْكِيلاً) من النكل ، وهو في الأصل القيد ثم أطلق على العذاب. قوله : (والذي نفسي بيده) إنما أقسم بذلك لأنه دائما في حضرة ربه. وقوله : (بيده) أي قدرته ، وكان عليه الصلاة والسّلام كثيرا ما يحلف بذلك. قوله : (فخرج بسبعين راكبا) أي في السنة الرابعة لأن أحدا كانت في الثالثة ، فلما انصرف منها أبو سفيان نادى بأعلى صوته يا محمد موعدك العام القابل في بدر ، فقال عليه الصلاة والسّلام : إن شاء الله تعالى ، فلما جاء العام القابل طلب المؤمنين للخروج ، فتقاعد المنافقون وتبعهم بعض ضعفاء المؤمنين بسبب تثبيط نعيم بن مسعود الأشجعي لهم ، قال تعالى حكاية عنه : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) الآيات وقوله : (بسبعين راكبا) تبع في ذلك بعض السير وهو ضعيف ، والراجح أنه خرج معه ألف وخمسمائة من أصحابه وعشرة أفراس ، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة ، فأقاموا على بدر ينتظرون أبا سفيان ، فألقى الله في قلوب الأعداء الرعب ، ولم ينتقلوا من محل يسمى الآن بوادي فاطمة فاجتمعت قبائل العرب من كل جهة لإقامة السوق في بدر ، فصارت الصحابة يتجرون إلى أن ربحوا ربحا عظيما ، فمكثوا في بدر ثمانية أيام ، فلم تأت الكفار ولم يحصل بينهم حرب أصلا ، قال تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) وتقدم بسط القصة في آل عمران. قوله : (ومنع أبي سفيان) معطوف على الفاء فهو مصدر.
قوله : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) هذه الجملة أفادت أن تحريض النبي للمؤمنين على القتال شفاعة حسنة ، فله حظ وافر في نظير ذلك ، والشفاعة هي سؤال الخير للغير ، ويندرج في ذلك الدعاء للمسلم بظهر الغيب ، فقد ورد «من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك» وفي الحديث أيضا «أدعوني بألسنة ما عصيتموني بها» قال العلماء هو الدعاء للغير. قوله : (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) إنما أطلق عليها شفاعة مشاكلة ، لأن حقيقة الشفاعة لا تكون إلا في الخير ، قال بعضهم هي النميمة ، وهي نقل الكلام لإيقاع العداوة بين الناس ، وقيل هي السعي بالفساد مطلقا. قوله : (نصيب)