وهم اليهود (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) من الدنيا يأخذونه بدله من سفلتهم فلا يظهرونه خوف فوته عليهم (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) لأنها مآله (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) غضبا عليهم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) يطهرهم من دنس الذنوب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٤) مؤلم ، هو النار (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أخذوها بدله في الدنيا (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) المعدة لهم في الآخرة لو لم يكتموا (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (١٧٥) أي ما أشد صبرهم وهو تعجيب للمؤمنين من ارتكابهم موجباتها من غير مبالاة وإلا فأي صبر لهم (ذلِكَ) الذي ذكر من أكلهم النار وما بعدها (بِأَنَ) بسبب أن (اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) متعلق بنزل فاختلفوا فيه حيث آمنوا ببعضه وكفروا
____________________________________
نعت محمد) أي فالكتاب مشتمل على أمور كثيرة ، منها نعت محمد ومنها غيره ، فالمغير إنما هو المشتمل على نعت محمد لا جميع ما في الكتاب. قوله : (يأخذونه بدله) أي يأخذون الثمن بدل الكتمان ، بمعنى أن الحامل لهم على الكتمان إنما هو العرض الفاني الذي يأخذونه من سفلتهم ، وليس المراد أنهم قالوا لهم خذوا هذا المال واكتموا وصف محمد. قوله : (خوف فوته) أي الأمر الدنيوي عليهم. قوله : (إِلَّا النَّارَ) أي سببها كما يشير له قول المفسر لأنها مآله أي مأواه وعاقبة أمره ففيه مجاز الأول.
قوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) أي كلام رضا بل يكلمهم كلام غضب. قوله : (غضبا عليهم) أي من أجل غضبه عليهم أي طرده لهم وإبعادهم عن رضاه. قوله : (يطهرهم من دنس الذنوب) أو المعنى لا يشهد لهم بالطهارة يوم القيامة قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) هذا بيان حالهم في الآخرة وهو عدم كلام الله لهم المترتب على كتمانهم ، وعدم طهارة الله لهم المترتب على اشترائهم ثمنا قليلا ، والعذاب الأليم المترتب على أكلهم سبب النار.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا) هذا بيان لحالهم في الدنيا. قوله : (بِالْهُدى) الباء داخلة على المتروك أي فقد تركوا الهدى وأخذوا الضلالة بدله. قوله : (لو لم يكتموا) لو شرطية وجوابها محذوف تقديره ما اشتروا العذاب بالمغفرة. قوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) الأحسن أن ما نكرة تامة مبتدأ والجملة بعدها في محل رفع خبر ، والمعنى أي شيء أصبرهم على النار فأصبر فعل تعجب والفاعل مستتر وجوبا والهاء مفعول وقيل استفهامية فيها معنى التعجب والإعراب واحد ، وقيل اسم موصول وما بعدها صلتها والخبر محذوف ، وقيل نكرة موصوفة وما بعدها صفتها والخبر محذوف. قوله : (أي ما أشد صبرهم) هذا حل معنى لا إعراب. قوله : (وهو تعجيب للمؤمنين) جواب عن سؤال مقدر ، حاصله أن التعجب هو استعظام شيء خفي سببه وذلك مستحيل على الله تعالى لأنه لا يخفى عليه خافية ، فأجاب بأن التعجب واقع من المؤمنين ، فالمعنى تعجبوا أيها المؤمنون من صبر هؤلاء على موجبات النار التي من جملتها الكتمان وأخذهم الثمن القليل وغير ذلك من غير مبالاة قوله : (وإلا فأي صبر لهم) أي وإلا نقدر موجبات بل لو أبقينا الكلام على ظاهره فلا يصح ذلك لأنه ليس لأحد صبر على ذات النار. قوله : (الذي ذكر) أي وهو أمور ستة : أكلهم سبب النار وعدم كلام الله وعدم تزكيته لهم والعذاب الأليم واشتراؤهم الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة.
قوله : (نَزَّلَ الْكِتابَ) المراد به التوراة باتفاق المفسرين ، وإنما الخلاف في الكتاب الثاني. قوله :