(ما يَكُونُ) ما ينبغي (لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) خبر ليس ولي للتبيين (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما) أخفيه (فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) أي ما تخفيه من معلوماتك (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١١٦) (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) وهو (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) رقيبا أمنعهم مما يقولون (ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) قبضتني بالرفع إلى السماء
____________________________________
لإلهين ، أي إلهين كائنين من غير الله ، فالله ثالثهما ، وليس المعنى أن عيسى وأمه إلهان فقط ، والله ليس بإله ، فإنهم لم يقولوا ذلك. قوله : (قد أرعد) أي أخذته الرعدة حتى خرج من كل شعرة عين دم كما في رواية. قوله : (من الشريك وغيره) أي كالصاحبة والولد. قوله : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) ما نافية ، ويكون فعل مضارع ، ولي جار ومجرور خبرها مقدم ، وأن أقول في محل رفع اسمها مؤخر ، وما اسم موصول وليس فعل ماض ناقص ، واسمها مستتر هو عائد الموصول تقديره هو ، وبحق خبرها ، ولي للتبيين على حد سقيا لك ورعيا ، والمعنى لا ينبغي ولا يجوز علي لأنك عصمتني أن أقول ما ليس حقا منسوبا لي ، وهذا أحسن الأعاريب. قوله (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) إن قلت : إن مدخول إن لا بد من كونه مستقبلا ، والقول والعلم متعلقهما ماض. أجيب : بأن الكلام على التقدير والمعنى أن يثبت أني قلته فقد تبين وظهر أن علمك متعلق به ، لأنه يستحيل وقوع شيء لم يتعلق علم الله به ، فحيث لم يتعلق علمه بما قال فلم يحصل ذلك منه ، لأنه لا يقع شيء في ملكه إلا وهو عالم به. قوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) ليست علم هنا عرفانية ، لأن المعرفة تستدعي سبق الجهل فهي هنا على بابها ، ومفعولها الثاني محذوف تقديره منطويا وثابتا ، والنفس بمعنى الذات ، والمعنى تعلم حقيقة ذاتي وما انطوت عليه. قوله : (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) أي لا أعلم حقيقة ذاتك وما احتوت عليه من الصفات ، لأن من جهل ما قام بالذات فقد جهل الذات ، فلا يعلم الله إلا الله ، واعلم أنهم اختلفوا في إطلاق النفس على الله تعالى ، فقيل لا يجوز إطلاقها عليه إلا في مقام المشاكلة ، والحق أنه يجوز إطلاق النفس على الله من غير مشاكلة ، إذ ورد إطلاقها في غير المشاكلة ، قال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ). قوله : (أي ما تخفيه من معلوماتك) أي كذاتك وصفاتك ، فإن معلومات الله منها ما هو ظاهر لنا كالحوادث ، ومنها ما هو خفي عنا ، ولا يحيط بجميع ذلك إلا الله تعالى. قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) دليل للدليل ، لأن قوله : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) دعوى من عيسى ثم استدل عليها بقوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) ودليل هذا أنه علام الغيوب ، وأكد هذه الجملة بأن والضمير المنفصل وصيغة المبالغة والجمع مع أل الاستغراقية. قوله : (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) هذا استثناء مفرغ ، وما اسم موصول في محل نصب هي وصلتها بالقول. قوله : (وهو) (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أشار بذلك إلى أن قوله أن اعبدوا الله في محل رفع خبر لمحذوف تقديره وهو أن اعبدوا. قوله : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) الجملة حالية. قوله : (أمنعهم مما يقولون) أي فلم تقع هذه المقالة منهم وهو بينهم وإنما ابتدعوها بعد رفعه. قوله : (ما دُمْتُ فِيهِمْ) ما مصدرية ظرفية تقدر بمصدر مضاف إلى زمان وصلتها دام ، ويجوز فيها التمام والنقصان ، فإن كانت تامة كان معناها الإقامة ، وفيهم متعلق بها وإن كانت ناقصة يكون قوله فيهم خبرها ، فعلى الأول يصير المعنى وكنت عليهم شهيدا مدة إقامتي فيهم ، وعلى الثاني وكنت عليهم شهيدا مدة دوامي مستقرا فيهم. قوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) يستعمل التوفي في أخذ الشيء وافيا أي كاملا ، والموت