(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) قبله من الكتب (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٣) (مِنْ قَبْلُ) أي قبل تنزيله (هُدىً) حال بمعنى هاديين من الضلالة (لِلنَّاسِ) ممن تبعهما وعبر فيهما بأنزل وفي القرآن بنزل المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) القرآن وغيره (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ) غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيد (ذُو انْتِقامٍ) (٤) عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ) كائن (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٥) لعلمه بما يقع في العالم من كلي وجزئي ، وخصهما بالذكر لأن الحس لا
____________________________________
محل نصب على الحال فيكون مصدقا حالا بعد حال.
قوله : (مُصَدِّقاً) حال من الكتاب ، قوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) في الكلام استعارة بالكناية حيث شبه بسلطان تقدمه عسكره ، وجاء على أثرهم يؤيدهم ويقويهم وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو قوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) فإثباته تخييل. قوله : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) أي على موسى وقوله : (وَالْإِنْجِيلَ) أي على عيسى ، واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أم لا لكونهما أعجميين ، فذهب جماعة إلى الأول فقالوا التوراة مشتقة من قولهم ورى إذا قدح فظهر منه نار ، فلما كانت التوراة فيها ضياء ونور يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور سمي هذا الكتاب بالتوراة ، والإنجيل مشتق من النجل وهو التوسعة ومنه العين النجلاء لسعتها فسمي الإنجيل بذلك لأن فيه توسعة لم تكن في الوراة ، إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة فيها ، والصحيح أنهما ليسا مشتقين لأنهما عبرانيان ، قوله : (أي قبل تنزيله) أي الكتاب الذي هو القرآن ، قوله : (حال) أي من التوراة والإنجيل ، قوله : (ممن تبعهما) أشار بذلك إلى أن المراد بالهدى الوصول لا مجرد الدلالة ، قوله : (وعبر فيهما بأنزل الخ) جواب عن سؤال مقدر ، وقيل إن ذلك تفنن ، وقيل إن مادة نزل تعيد التكرار غالبا ، ومادة أنزل تفيد عدمه غالبا ، فلعل المفسر بنى هذا الجواب على ذلك ، وإلا فالهمز والتضعيف أخوان. قوله : (بخلافه) أي فإنه نزل مفرقا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة. قوله : (ليعم ما عداها) أي فهو من عطف العام على الخاص ، فالمراد بالفرقان هنا الفارق بين الحق والباطل لا خصوص القرآن فالفرقان كما يطلق على القرآن يطلق على غيره من الكتب.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي كنصارى نجران. قوله : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة بالنار. قوله : (وعده) أي بالخير وقوله ووعيده أي بالشر. قوله : (لا يقدر على مثلها أحد) أي لأن غاية عذاب غيره الموت وفيه راحة للمعذب ، ولا يقدر على إعادة روحه حتى تتألم ثانيا ، وأما عذاب الله فدائم لا آخر له ، قال تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ). قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ) هذا رد لقولهم إن عيسى إله لأنه يعلم الأمور ، فرد عليهم بأن الله هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وليس كذلك عيسى. قوله : (كائن) أشار بذلك إلى أن قوله : (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) متعلق بمحذوف صفة لشيء. قوله : (وخصهما بالذكر) جواب