(وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لأوليائه (رَحِيماً) (٩٦) بأهل طاعته. ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بالمقام مع الكفار وترك الهجرة (قالُوا) لهم موبخين (فِيمَ كُنْتُمْ) أي في أي شيء كنتم في أمر دينكم (قالُوا) معتذرين (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) عاجزين عن إقامة الدين (فِي الْأَرْضِ) أرض مكة (قالُوا) لهم توبيخا (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) من أرض الكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم ، قال تعالى (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧) هي (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) الذين (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) ولا قوة لهم على الهجرة ، ولا نفقة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (٩٨) طريقا إلى أرض الهجرة (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٩٩)
____________________________________
قوله : (بفعلهما المقدر) أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة. قوله : (فقتلوا يوم بدر) أي وهل ماتوا عصاة أو كفارا خلاف ، لأن الهجرة كانت ركنا أو شرطا في صحة الإسلام. قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) وهذا كان قبل الفتح ، ثم نسخ بعده ، والقاتل لهؤلاء الملائكة لعلمهم بأن الله لم يقبل منهم الإسلام لفقد شرطه ، وهو الهجرة مع قدرتهم عليها ، وليس التخلف ومن أجل صيانة المال والعيال عذرا ، والمتبادر من ذلك أنهم ماتوا كفارا.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ) يصح أن يكون ماضيا ولم يؤت فيه بعلامة التأنيث ، لأن التأنيث مجازي ، ويصح أن يكون مضارعا حذفت منه إحدى التاءين ، والأصل تتوفاهم. قال ابن مالك :
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر |
|
فيه على تا كتبين العبر |
قوله : (الْمَلائِكَةُ) يعني ملك الموت وهو عزرائيل ، وإنما جمع تعظيما ، وقيل المراد أعوانه وهم ستة : ثلاثة منهم يقبضون أرواح المؤمنين ، وثلاثة منهم يقبضون أرواح الكفار. قوله : (قالُوا) (لهم موبخين) أي عند قبض أرواحهم. قوله : (فِيمَ كُنْتُمْ) ما اسم استفهام حذفت ألفها لجرها بالحرف. قال ابن مالك :
وما في الاستفهام إن جرّت حذف |
|
ألفها وأوّلها الها إن تقف |
قوله : (في أي شيء كنتم) أي أكنتم مؤمنين أم كفارا. قوله : (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) هذا اعتذار غير صحيح ، فلذا ردت الملائكة عليهم هذا الاعتذار. قوله : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) هذا هو خبر إن ، وقرن بالفاء لأن في الأصل خبر عن الموصول وهو يشبه الشرط. قوله : (هي) هذا هو المخصوص بالذم. قوله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) هذا الاستثناء منقطع على التحقيق. قوله : (مِنَ الرِّجالِ) هو وما بعده بيان للمستضعفين ، وذلك كعباس بن ربيعة وسلمة بن هشام وغيرهما ، وقوله : (وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ). قال ابن عباس : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان. قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) هذه الجملة إما مستأنفة مبينة للاستضعاف جواب سؤال مقدر تقديره ما وجه استضعافهم ، أو صفة للمستضعفين.
قوله : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) عسى في كلام الله بمنزلة التحقيق ، لعلمه بعواقب