الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ثبتوا على الكفر (مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣) مؤلم وهو النار (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) مما قالوه استفهام توبيخ (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ) (٧٤) به (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فهو يمضي مثلهم وليس بإله كما زعموا وإلا لما مضى (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) مبالغة في الصدق (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) كغيرهما من الحيوانات ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركبه وضعفه وما ينشأ منه من البول والغائط (انْظُرْ) متعجبا (كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) على وحدانيتنا (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى) كيف (يُؤْفَكُونَ) (٧٥) يصرفون عن الحق مع قيام البرهان (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) (٧٦) بأحوالكم والاستفهام للإنكار (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) اليهود والنصارى (لا تَغْلُوا) تجاوزوا الحد (فِي دِينِكُمْ) غلوا (غَيْرَ الْحَقِ) بأن تضعوا عيسى أو ترفعوه
____________________________________
مما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه ، وليس شيء من ذلك وصفا لعيسى ولا لأمه ، ولا لأحد أبدا سواه سبحانه وتعالى. قوله : (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) جواب لقسم محذوف ، وجواب الشرط محذوف لدلالة هذا عليه ، والتقدير والله إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا الخ ، نظير قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). قوله : (أي ثبتوا على الكفر) أشار بذلك إلى أن من في (مِنْهُمْ) للتبعيض لأن كثيرا منهم تابوا. قوله : (توبيخ) أي وإنكار وهذا استدعاء لهم إلى التوبة. قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الجملة حالية كالتعليل لما قبلها.
قوله : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) الخ ، هذا استئناف مسوق لبيان إقامة الحجة عليهم وبطلان دعاويهم الباطلة ، وما نافية والمسيح مبتدأ ، وإلا أداة حصر ورسول خبره ، وهو من حصر المبتدأ في الخبر ، أي أن عيسى محصور في وصف الرسالة وليس بإله ، فالمقصود من ذلك نفي الألوهية عنه. قوله : (قَدْ خَلَتْ) أي ذهبت وفنيت. قوله : (صِدِّيقَةٌ) أي ملازمة للصدق ، وهذان الوصفان لعيسى وأمه ، مختصان بهما شرفهما الله بهما ، ثم وصفهما بعد ذلك بوصف البشر الذين لا يميزهم عن الحيوانات الغير العاقلة فضلا عن العاقلة. قوله : (كَيْفَ نُبَيِّنُ) كيف معمول لنبين لا لأنظر ، لأن اسم الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله لأن له الصدارة. قوله : (ثُمَّ انْظُرْ) هذا ترق في التعجب ، ولذا أتى بثم المفيدة للتراخي. قوله : (مع قيام البرهان) أي الدليل الواضح على باهر قدرتنا وكمال صفاتنا.
قوله : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ) هذا تبكيت لهم وإلزامهم الحجة. قوله : (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) أي وهو عيسى ، والمعنى لا يملك بذاته شيئا أصلا لا ضرا ولا نفعا ، وأما إجراء النفع أو الضر على يديه فبخلق الله لذلك ولو شاء لم يخلقه. قوله : (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي فهو أحق بالعبادة. قوله : (للإنكار) أي مع التوبيخ.
قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) شروع في ذكر قبائحهم جميعا ، بعد أن ذكر كل فريق منهم على حدة. قوله : (غلوا) قدره المفسر إشارة إلى أن غير الحق صفة لمصدر محذوف مفعول مطلق لقوله (تَغْلُوا) ، ويصح أن يكون غير الحق حالا من فاعل تغلوا. قوله : (غَيْرَ الْحَقِ) أي وأما الغلوا في الحق كالتشديد