يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) قد قيل لهم (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٤٩) وقرىء ادخلوا بالبناء للمفعول ودخلوا فجملة النفي حال أي مقولا لهم ذلك (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من الطعام (قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما) منعهما (عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠) (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ)
____________________________________
يقول إن كان تجردت عن معنى الحديث وصارت لمجرد الربط ، ولو مشى على مقابلة المشهور لقال وكونكم مستكبرين ، وإنما حمل المفسر على ذلك الاختصار. قوله : (مشيرين) أي أهل الأعراف. قوله : (إلى ضعفاء المسلمين) أي الذين كانوا يعذبون في الدنيا ، وكان المشركون يسخرون بهم ، كصبيب وبلال وسلمان وخباب ونحوهم.
قوله : (أَهؤُلاءِ) استفهام تقرير وتوبيخ. قوله : (أَقْسَمْتُمْ) أي باللات والعزى ، وقوله : (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) هذا هو المقسم عليه ، ويؤخذ من الآية أن أهل الأعراف ناظرون لأهل الجنة وأهل النار ، وأن أهل النار ناظرون لأهل الأعراف وأهل الجنة ، وهذا لمزيد الحسرة لهم ، فهم يعذبون بالنار والتبكيت من أهل الأعراف. قوله : (قد قيل لهم) قدره إشارة إلى أن قوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) مقول لذلك القول المحذوف ليصح جعلها خبرا ثانيا ، لأن الجملة الطلبية لا يصح وقوعها خبرا إلا إذا أولت بخبر. قوله : (وقرىء ادخلوا الخ) هاتان شاذتان على عادته ، حيث يعبر عن الشاذ بقرىء ، وعن السبعي بوفي قراءة ، وعلى هاتين القراءتين فلا يحتاج لتقدير القول ، لأن الجملة خبرية. قوله : (جملة النفي) أي جنسها الصادق بالجملتين وهما : (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ). قوله : (حال) أي معمول لحال محذوفة ، ففي كلامه تسمح ، وهذا على القراءتين الشاذتين ، وأما على القراءة السبعية فلا يحتاج لذلك.
قوله : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) قاله ابن عباس رضي الله عنهما : لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة ، طمع أهل النار في الفرج عنهم فقالوا : يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة ، فائذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ، فيأذن لهم ، فينظرون إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم ، وينظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل النار فلم يعرفوهم لسواد وجوههم ، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم ، فينادي الرجل أباه وأخاه فيقول : قد احترقت أفض علي من الماء ، فيقال لهم : أجيبوهم ، فيقولون : إن الله حرمهما على الكافرين. قوله : (من الطعام) أي الشامل للمشروب والمأكول ، وحينئذ فيضمن : (أَفِيضُوا) معنى ألقوا ، نظير علفتها تبنا وماء باردا ، و (أَوْ) بمعنى الواو بدليل قوله : (حَرَّمَهُما) وإلا لو بقيت على بابها من التخيير لأعيد الضمير مفردا. قوله : (منعهما) أي فالتعبير بالتحريم مجاز لانقطاع التكليف بالموت ، ويعلم من هذا أنه لا يتأثر أهل الجنة بعذاب أهل النار لتقطع الأسباب بينهم ، ونزع الرحمة من قلوب أهل الجنة لأهل النار لاستحقاقهم ما هم فيه من العذاب.
قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) هذا وصف للكافرين. قوله : (لَهْواً وَلَعِباً) اللهو صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به ، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به. قوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي شغلتهم بالطمع في طول العمر وحسن العيش. قوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) ليس من كلام أهل الجنة ، وإنما هو قول الرب جل جلاله ، فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره : فإذا كان حال الكافرين فاليوم