ببعض كما فعل اليهود والنصارى (وَقالُوا سَمِعْنا) أي ما أمرنا به سماع قبول (وَأَطَعْنا) نسألك (غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٢٨٥) المرجع بالبعث. ولما نزلت الآية قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي ما تسعه قدرتها (لَها ما كَسَبَتْ) من الخير أي ثوابا (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه وقولوا (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) بالعقاب (إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث ، فسؤاله اعتراف بنعمة الله (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أمرا يثقل علينا حمله (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في
____________________________________
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) الآية. قوله : (سماع قبول) فيه تعريض بالرد على من قال سمعنا وعصينا ، قوله : (وَأَطَعْنا) أي انقدنا للطاعة ولو بالعزم عليها.
قوله : (غُفْرانَكَ) مفعول المحذوف قدره المفسر بقوله نسألك ، ومعنى الغفران ستر الذنوب كبيرها وصغيرها جليها وخفيها ، فالإنسان يطلب المغفرة ولو في حالة الطاعة بسبب ما يطرأ عليها من العجب وحب المحمدة وغير ذلك من الآفات التي تذهبها ، فالعارف لا يعتمد على أعماله أبدا ، وعلامة ذلك كونه يجدد التوبة والاستغفار ولو كان متلبسا بأكبر الطاعات. قوله : (رَبَّنا) منادى وحرف النداء محذوف أي يا ربنا. قوله : (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) قيل معطوف على محذوف تقديره لك المبدأ وإليك المصير. قوله : (ولما نزلت الآية قبلها) أي قوله وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله. قوله : (من الوسوسة) أي التي تطرأ على القلب كالهاجس وهو ما لاح وذهب بسرعة ، والخاطر وهو ما لاح ومكث برهة من الزمن ، وحديث النفس وهو تزيينها الأمور وتحسينها ، وهذه لا تكتب خيرا كانت أو شرا ، والهم وهو ترجيح الفعل وهو يكتب إن كان خيرا لا شرا ، وأما العزم فيكتب خيره وشره. قوله : (فنزل) (لا يُكَلِّفُ اللهُ) أي فهذه الآية إما ناسخة للأولى أو مبينة لها ، وتقدمت الإشارة بذلك.
قوله : (لَها ما كَسَبَتْ) عبر في جانب الخير باللام ، وفي جانب الشر بعلى ، لأن اللام للمسرة وعلى للمضرة ، وعبر في جانب الطاعة بكسبت ، وفي جانب المعصية باكتسبت ، لأن شأن المعصية التعالي والشهوة بخلاف الطاعة فشأنها عدم الشهوة لما في الحديث «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» وأيضا لا يؤخذ في المعصية بالهم بل بالعزم أو الفعل بخلاف الطاعة فيكتب له ثواب الهم عليها ، وأيضا يؤجر المرء رغما عن انفه بخلاف المعصية ، وأيضا الطاعة تتعدى لغير فاعلها بخلاف المعصية. قوله : (ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد) هذا في جانب المعصية ، وأما في جانب الطاعة فقد تنفع في غير فاعلها. قوله : (ولا بما لم يكسبه) المناسب يكتسبه. قوله : (مما وسوست به نفسه) أي من هاجس وخاطر وحديث نفس وهم.
قوله : (إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) أي أو استكرهنا عليه ، وقد علم ذلك من قوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ومن هنا إلى آخر السور سبع دعوات مستجابة. قوله : (تركنا الصواب لا عن عمد) تفسير لكل