منها السمك والجراد (وَالدَّمَ) أي المسفوح كما في الأنعام (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) خص اللحم لأنه معظم المقصود وغيره تبع له (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي ذبح على اسم غيره والاهلال رفع الصوت وكانوا يرفعونه عند الذبح لآلهتهم (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي ألجأته الضرورة إلى أكل شيء مما ذكر فأكله (غَيْرَ باغٍ) خارج على المسلمين (وَلا عادٍ) متعد عليهم بقطع الطريق (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) في أكله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لأوليائه (رَحِيمٌ) (١٧٣) بأهل طاعته حيث وسع لهم في ذلك وخرج الباغي والعادي ويلحق بهما كل عاص بسفره كالآبق والمكاس فلا يحل لهم أكل شيء من ذلك ما لم يتوبوا ، وعليه الشافعي (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) المشتمل على نعت محمد
____________________________________
«أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال» وإنما أحل الكبد والطحال المنفصلان من الحيوان بعد ذكاته شرعا لكونهما ليسا من الدم المسفوح. قوله : (أي المسفوح) أي ولو من سمك خلافا لأبي حنيفة ، ومن هنا اختلف في الفسيخ فقال الأئمة الثلاثة : محرمة أكله وبيعه لشرب بعضه من دم بعض حين تكديسه ، وقال أبو حنيفة بطهارته لأنه لا دم له أصلا ، وإنما الذي ينزل منه دهن لا دم بدليل أنه لو نشف لصار أبيض لا أحمر ، وقال أستاذنا العارف بالله تعالى شيخنا الشيخ الدردير الذي أدين الله به أن الفسيخ بجميع أجزائه طاهر يجوز أكله ، وأما لو نشف بحيث لم يسل منه دم كالسمك المالح فهو طاهر حلال بإجماع. قوله : (كما في الأنعام) أي في سورة الأنعام في قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية ، فما هنا يقيد بما هناك.
قوله : (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) أي البر إنسيا أو وحشيا ، وأما البحري فهو حلال وكلبه كذلك. قوله : (وغيره تبع له) ظاهره حتى الشعر ولكن مذهب مالك حل لبسه والانتفاع. قوله : (والإهلال رفع الصوت) أي قد سمي الشيء باسم صاحبه ، ولذلك يقال استهل المولود بمعنى صاح عند الولادة وسمي الهلال بذلك لرفع الصوت عند رؤيته. قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) هذا كالإستدراك على عموم قوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ). قوله : (غَيْرَ باغٍ) حال من الضمير في اضطر. قوله : (لأوليائه) أي الذين أكلوا عن اضطرار. قوله : (حيث وسع لهم في ذلك) أي فأباح لهم أكلها والشبع منها حيث كانت المخمصة دائمة ، وأجمعت الأئمة على ذلك ، واختلفوا إذا لم تدم المخمصة فرجح مالك الشبع والتزود وذكره غيره قولين ، وعلى كل فإذا استغنى عنها طرحها ويقدم الميتة وما أهل لغير الله في الأكل على لحم الخنزير. قوله : (وعليه الشافعي) أي فمذهب الشافعي أن العاصي بسفره لا يأكل من الميتة إلا إن تاب ، وأما مذهب مالك وأبي حنيفة أن العاصي بسفره له الأكل من الميتة وإن لم يتب ، وفسر قوله غير باغ أي غير طالب الميتة وما معها وهو يجد غيرها وغير عاد أي متعد ما أحل الله وقيل غير مستحل لها.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) نزلت هذه الآية في حق علماء اليهود ، وقد كانوا يأخذون من سفلتهم مالا ، وكانوا يودون أن نبي آخر الزمان يكون منهم ، فلما بعث رسول الله من غيرهم خافوا أن رئاستهم تذهب بسبب ظهوره واتباع سفلتهم له ، فينقطع ما كان يصلهم من سفلتهم فغيروا صفته وصفة أصحابه وبلده حرصا على الرياسة وعلى ما كانوا يأخذونه من سفلتهم ، قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ). قوله : (المشتمل على