ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لأعدائه (وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ) لأوليائه (رَحِيمٌ) (٩٨) بهم (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) الإبلاغ لكم (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) تظهرون من العمل (وَما تَكْتُمُونَ) (٩٩) تخفون منه فيجازيكم به (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ) الحرام (وَالطَّيِّبُ) الحلال (وَلَوْ أَعْجَبَكَ) أي سرك (كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ) في تركه (يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠٠) تفوزون. ونزل لما أكثروا سؤاله صلىاللهعليهوسلم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ) تظهر (لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) لما فيها من المشقة (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) أي في زمن
____________________________________
على الخاص. قوله : (فإن جعله ذلك) أي المتقدم ذكره وهو الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد. قوله : (لجلب المصالح) علة لما قبله ، وقوله : (دليل الخ) خبر إن. قوله : (وما هو كائن) أي الآن أو في المستقبل. قوله : (شَدِيدُ الْعِقابِ) (لأعدائه) أي الذين بطروا نعمته ، وسماهم أعداء لمخالفتهم أمره ، فكل من خالفه فهو كالعدو له ، والمعنى يعامله معاملة العدو. قوله : (لأوليائه) أي أحبابه الذين يشكرون نعمه ، وإنما قدم شديد العقاب لأنه تقدم ذكر النعم ، فحذر من الاغترار بها والطغيان فيها ، لأن الفقر مع الشكر خير من الغنى مع البطر.
قوله : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) هو بالرفع فاعل لفعل محذوف ، أو مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله ، والمعنى ليس على الرسول إلا تبليغ أمر دينكم لا جزاؤكم. قوله : (الإبلاغ) أشار بذلك إلى أنه استعمل مصدر المجرد موضع المزيد في الآية لمزيد البلاغة ، لأن زيادة البنية تدل على زيادة المعنى ، ففيه الإشارة إلى أنه بلغ البلاغ الكامل. قوله : (فيجازيكم به) أي إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، قوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) معطوف على محذوف تقديره هذا إذا لم يعجبك بل ولو أعجبك ، وجواب الشرط محذوف تقديره فلا يستويان ، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، والمقصود من ذلك أمره صلىاللهعليهوسلم أن يخاطب بذلك أمته ، فليس الخطاب له ، لأنه قد زهد الحلال ، فضلا عن كونه يعجبه كثرة الحرام.
قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) (في تركه) أي ولا تتعرضوا لأخذ الحرام ، فإنه يورث غضب الله ، ولا لأخذ الشبهات أيضا ، فإنها تورث قسوة القلب. قوله : (تفوزون) أي تظفرون برضا الله ، فإن العز كل العز للمتقي. قوله : (ونزل لما أكثروا سؤاله) أي عن أمور لو أجابهم عنها لشق عليهم ، وعن أمور لو أجابهم بها لساءتهم. فالأول كسؤالهم عن الحج ، هل هو واجب في العمر مرة أو كل عام مرة؟ والثاني كسؤال رجل عن أبيه بعد موته أين هو؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنه في النار. قوله : (عَنْ أَشْياءَ) أصله شياء على وزن فعلاء كحمراء استثقلت العرب النطق في كلمة يكثر استعمالها بألف بين همزتين ، خصوصا قبل الهمزة الأولى ياء فقلبوها قلبا مكانيا ، فقدموا الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة قبل الشين فصار وزنه لفعاء ، وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة. قوله : (لما فيها من المشقة) علة لقوله : (تَسُؤْكُمْ) والمشقة إما لحصول التكليف بها ، أو لحصول الإساءة والفضيحة بها ففي الحديث : «إن الله أحل لكم أشياء وحرم أشياء وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها».
قوله : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها) إن حرف شرط ، وتسألوا فعل الشرط ، وعنها متعلق بتسألوا ، والضمير