«من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» رواه مسلم (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ) بالبناء للمفعول تردون وللفاعل تصيرون (فِيهِ إِلَى اللهِ) هو يوم القيامة (ثُمَّ تُوَفَّى) فيه (كُلُّ نَفْسٍ) جزاء (ما كَسَبَتْ) عملت من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) بنقص حسنة أو زيادة سيئة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ) تعاملتم (بِدَيْنٍ) كسلم وقرض (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معلوم (فَاكْتُبُوهُ) استيثاقا ودفعا للنزاع (وَلْيَكْتُبْ) كتاب الدين (بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص (وَلا يَأْبَ) يمتنع (كاتِبٌ) من (أَنْ يَكْتُبَ) إذا دعي إليها (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) أي فضله بالكتابة فلا يبخل بها. والكاف متعلقة بيأب (فَلْيَكْتُبْ)
____________________________________
قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً) هذه الآية آخر القرآن نزولا كما قال ابن عباس ، وأمر جبريل رسول الله بوضعها على رأس مائتين وثمانين آية ، وتقدم لنا أن البقرة مائتان وست وثمانون آية ، فيكون الباقي بعد خمس آيات أولها آية الدين ، وثانيها وإن كنتم على سفر إلى قوله عليم ، ثالثها لله ما في السموات وما في الأرض إلى قدير ، رابعها آمن الرسول إلى المصير ، خامسها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخرها ، ونزلت قبل وفاة رسول الله بثلاث ساعات ، وقيل بسبعة أيام ، وقيل بأحد وعشرين ، وقيل بأحد وثمانين ، قوله : (جزاء) (ما كَسَبَتْ) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) هذه الآية من هنا إلى عليم أطول آي القرآن ، وقد اشتملت على بيان إرشاد العباد لمصالح دنياهم ، وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والدين المعاملة ، فحينئذ لا يتم إصلاح الآخرة إلا باصلاح الدنيا ، فبين هنا ما به إصلاح الدنيا. قوله : (تعاملتم) فسر المداينة بالمعاملة التي هي مفاعلة من الجانبين ، أي سواء كنت آخذا أو مأخوذا منك. قوله : (بِدَيْنٍ) حكمة التصريح به وإن علم من تداينتم ليعود الضمير في قوله فاكتبوه عليه صراحة ، وأيضا لدفع توهم أن المراد بالمداينة المجازاة كقوله كما يدين الفتى يدان أي كما يجازي يجازي ، وأيضا صرح به إشارة إلى عموم الدين قليلا أو كثيرا جليلا أو حقيرا ، فالمعنى لا تستخفون به. قوله : (كسلم) أي مسلم فيه كما إذا دفع عشرة دراهم مثلا ليأتي له بقنطار من سمن عند أجل معلوم بينهما. وقوله : (وقرض) المراد به السلف.
قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي وأما الحال فلا يحتاج لكتابة ، لأنه ليس من المهمات ولمزيد المشقة قوله : (معلوم) أي فالجهل فيه مفسد للعقد إن كان مسلما ، وأما السلف فيجوز فيه التأجيل والحلول فإن وقع على الحلول فلا بد عند مالك من مضي زمن يمكن انتفاعه به عادة ، وإن وقع على التأجيل فيلزم المقرض الصبر إلى الأجل عند مالك ، وعند الشافعي لا يلزمه الصبر إليه بل له أن يطلبه قبله. قوله : (استيثاقا) أشار بذلك إلى أن الأمر في الآية للإرشاد لا للوجوب ، كالأمر بالصلاة والصوم بحيث يعاقب على تركه. قوله : (كتاب الدين) أشار بذلك إلى أن مفعول يكتب محذوف. قوله : (بِالْعَدْلِ) أي ولا يكون إلا فقيها عدلا ، ويشترط أن يكتب كلاما معروفا لا موهما
قوله : (وَلا يَأْبَ) لا ناهية والفعل مجزوم بحذف الألف والفتحة دليل عليها وكاتب فاعل يأب ، وقوله : (من) (أَنْ يَكْتُبَ) قدر من إشارة إلى أن الجار والمجرور محذوف وهو مطرد مع أن وإن عند أمن اللبس فهو في محل نصب مفعول ليأب. قوله : (والكاف متعلقة بيأب) أي تعليلية وما مصدرية وعبارة