عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته (وَاللهُ عَلِيمٌ) بكم (حَكِيمٌ) (٢٦) فيما دبره لكم (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) كرره ليبني عليه (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (٢٧) تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) يسهل عليكم الشرع (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٢٨) لا يصبر عن النساء والشهوات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) بالحرام في الشرع كالربا والغصب (إِلَّا) لكن (أَنْ تَكُونَ) تقع (تِجارَةً) وفي قراءة بالنصب أي تكون الأموال أموال تجارة صادرة (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وطيب نفس فلكم أن تأكلوها (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩) في
____________________________________
(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يقبل توبتكم إذا تبتم. قوله : (عن معصيته) أي اللغوية ، وإلا فقبل التشريع لم تكن معصية.
قوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يحب ذلك ويرضاه ، وليست الإرادة على حقيقتها ، لأنه يقتضي أن إرادة الله متعلقة بتوبة كل ، مع أنه ليس كذلك ، فالمعنى الله يحب توبة العبد فيتوب عليه ، ومن هنا قيل إن قبول التوبة قطعي. قوله : (أو المجوس) أي فكانوا يجوزون نكاح الأخوات من الأب وبنت الأخ ، فلما حرمهن الله صاروا يقولون للمؤمنين إنكم تحلون نكاح بنت العمة وبنت الخالة ، فلا فرق بينهما وبين بنت الأخ والأخت. قوله : (فتكونوا مثلهم) أي لأن المصيبة إذا عمت هانت. قوله : (يسهل عليكم أحكام الشرع) أي فلم يجعلها ثقيلة عسرة كما كان في الأمم السابقة ، قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ، وقال تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
قوله : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ) هذا كالتعليل لقوله : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). قوله : (لا يصبر عن النساء) أي لما في الحديث «لا خير في النساء ولا صبر عنهن ، يغلبن كريما ويغلبن لئيما ، فأحب أن أكون كريما مغلوبا ، ولا أحب أن أكون لئيما غالبا». وقوله : (أو الشهوات) أي مطلقا ومن جملتها النساء ، وفي الحديث : «إن لنفسك عليك حقا». قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، لما بين النهي عن بعض الفروج وإباحة بعضها ، شرع بين النهي عن بعض الأموال والأنفس. قوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ) أي بإنفاقها في المعاصي ، والمراد بالأكل مطلق الأخذ ، وإنما عبر بالأكل لأنه معظم المقصود من الأموال. قوله : (كالربا والغصب) أي والسرقة والرشوة وغير ذلك من المحرمات. قوله : (إِلَّا) (لكن) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع. قوله : (وفي قراءة بالنصب) أي على أن تكون ناقصة وتجارة خبرها واسمها محذوف ، وأما على الرفع فتكون تامة ، والقراءتان سبعيتان.
قوله : (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي وأما إذا لم تكن عن تراض ، بل كانت غصبا أو غشا أو خديعة ، فليست حلالا ، ويشترط أن تكون على الوجه المرضي في الشرع ، وخص التجارة بالذكر ، لأن غالب التصرف في الأموال بها لذوي المروءات. قوله : (أيا كان في الدنيا الخ) أي بأن يزني وهو محصن ، فيترتب عليه الرجم ، أو يقتل أحدا فيقتل ، أو يقتل نفسه غما وأسفا ، لما روي عن أبي هريرة قال : قال