ومن ابتدائية (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) بستان (بِرَبْوَةٍ) بضم الراء وفتحها مكان مرتفع مستو (أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ) أعطت (أُكُلَها) بضم الكاف وسكونها ثمرها (ضِعْفَيْنِ) مثلي ما يثمر غيرها (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها المعنى تثمر وتزكو كثر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كثرت أم قلت (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٦٥) فيجازيكم به (أَيَوَدُّ) أيحب (أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها) ثمر (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ) قد (أَصابَهُ الْكِبَرُ) فضعف من الكبر الكسب (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) أولاد صغار لا يقدرون عليه (فَأَصابَها إِعْصارٌ) ريح شديدة (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي وعن ابن
____________________________________
يثيبه. قوله : (مكان مرتفع) أي طيب حسن شجره تام ثمره ، وقوله : (مستو) أي لا مسنم لعدم بقاء الماء عليه ، وقوله : (بضم الراء وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، قوله : (لارتفاعها) أي واستوائها ، قوله : (كثرت أم قلت) أي فحيث حسن باطنه بالإخلاص فقليل عمله ككثيره في رضا الله عنه ، قال العارف :
وبعد الفنا في الله كن كيف ما تشا |
|
فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر |
قوله : (فيجازيكم به) في ذلك وعد للمخلصين برضا الله والفوز الأكبر ووعيد للمرائين بغضب الله وعدم الرضا عليهم ، قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) شروع في ذكر مثال آخر للمرائي والمان والاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، ومصبه قوله فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت. وقوله : (أيحب) تفسير ليود فالمودة هي المحبة لكن مع تمني اللقاء ، قوله : (جَنَّةٌ) قيل إن المراد بالجنة الأرض ذات الشجر ، وقيل الشجر نفسه ، قوله : (مِنْ نَخِيلٍ) اسم جنس جمعي واحدة نخلة ولا يكون إلا لشجر البلح ، والأعناب جمع عنبة اسم للكرم المعلوم ، وخصمهما لعظم منافعهما ومزيد فضلهما على سائر الأشجار ، وإلا فالمراد في الآية جميع الثمار بدليل باقي الآية.
قوله : (لَهُ فِيها) (ثمر) (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أشار بذلك إلى أن من كل الثمرات جر ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف على حد منا ظعن ومنا أقام ، أي منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ، وكقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي ما منا أحد ، وقوله له متعلق بمحذوف خبر لثمر المقدر وقوله فيها متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. قوله : (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) الجملة حالية و (قد) مقدرة كما ذكره المفسر ، لأن الجملة الماضوية إذا وقعت حالا فإن قد تصحبها إما لفظا أو تقديرا. قوله : (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) جملة حالية أيضا.
قوله : (فَأَصابَها إِعْصارٌ) هذا هو مصب الاستفهام لأن هذا هو موضع المصيبة. قوله : (ريح شديدة) هي المسماة بالزوبعة لأنها تعصر الشجر كما يعصر الإنسان الثوب وتقلعه من أصله. قوله : (فَاحْتَرَقَتْ) معطوف على أصابها. قوله : (أحوج ما كان إليها) حال من فاعل فقدها ، أي فقدها هو حال كونه محتاجا إليها. قوله : (عجزة) جمع عاجز ككملة وكامل. قوله : (وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان) أي لأنهما خصلتان من خصال المنافقين ، وهو كافر بهما إن استحل ذلك. قوله : (والاستفهام بمعنى النفي)