(وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) (١٠٢) (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي الرسل المذكورين (مُوسى بِآياتِنا) التسع (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) قومه (فَظَلَمُوا) كفروا (بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٠٣) بالكفر من إهلاكهم (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠٤) إليك فكذبه فقال أنا (حَقِيقٌ) جدير (عَلى أَنْ) أي بأن (لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وفي قراءة بتشديد الياء فحقيق مبتدأ خبره أن وما بعده (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ) إلى الشام (بَنِي
____________________________________
بذلك إلى أن هذه الجملة غير مرتبطة بما قبلها ، ويصح أن الضمير عائد على الأمم ، فيكون بينهما ارتباط.
قوله : (وَإِنْ وَجَدْنا) أي علمنا ، فأكثر مفعول أول ، وفاسقين مفعول ثان ، واللام فارقة ، والمراد : ليظهر متعلقي علمنا للخلق على حد لنعلم أي الحزبين أحصى. قوله : (لَفاسِقِينَ) أي خارجين عن طاعتنا بترك الوفاء بالعهد. قوله : (أي الرسل المذكورين) أي وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب. قوله : (مُوسى) وعاش مائة وعشرين سنة ، وبينه وبين يوسف أربعمائة سنة ، وبين موسى وإبراهيم سبعمائة سنة. قوله : (التسع) أي وهي : والعصا واليد البيضاء والسنون المجدبة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس ، وكلها مذكورة في هذه السورة إلا الطمس ففي سورة يونس ، قال تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ). قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) هذا لقبه ، واسمه الوليد بن مصعب بن الريان ، ففرعون في الأصل علم شخص ، ثم صار لقبا لكل من ملك مصر في الجاهلية ، وعاش من العمر ستمائة وعشرين سنة ، ومدة ملكه أربعمائة سنة ، لم ير مكروها قط ، وكنيته أبو مرة ، وقيل أبو العباس ، وهو فرعون الثاني ، وفرعون الأول أخوه ، واسمه قابوس بن مصعب ملك العمالقة ، وفرعون إبراهيم النمرود ، وفرعون هذه الأمة أبو جهل.
قوله : (فَظَلَمُوا) ضمن ظلموا معنى كفروا فعداه بالباء ويصح أن تكون الباء سببية ، والمفعول محذوف تقديره ظلموا أنفسهم بسببها ، أي بسبب تكذيبهم بها. قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) كيف اسم استفهام خبر كان مقدم عليها وعاقبة اسمها وإنما قدم لأن الاستفهام له الصدارة. قوله : (وَقالَ مُوسى) تفصيل لما أجمل أولا ، لأن التفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس ، وهذا القول وما بعده ، إنما وقع بعد كلام طويل ، حكاه الله في سورة الشعراء بقوله تعالى : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) الآيات ، وقوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) الآيات ، وفي طه أيضا. قوله : (فكذبه) قدره إشارة إلى أن جملة : (حَقِيقٌ) مرتبة على محذوف.
قوله : (حَقِيقٌ) خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله : (أنا). قوله : (أي بأن) أشار بذلك إلى أن : (عَلى) بمعنى الباء. قوله : (إِلَّا الْحَقَ) مقول القول ، وهو مفرد في معنى الجملة ، ويصح أن يكون صفة لمصدر محذوف مفعول مطلق تقديره إلا القول الحق. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (مبتدأ) أي وسوغ الابتداء به العمل في الجار والمجرور ، فإن على متعلق بحقيق. قوله : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ) (إلى الشام) أي وسبب سكناهم بمصر مع أن أصلهم من الشام ، أن الأسباط أولاد يعقوب جاؤوا مصر لأخيهم يوسف ، فمكثوا وتناسلوا في مصر ، فلما ظهر فرعون استعبدهم واستعملهم في الأعمال الشاقة ،