(وَمُصَدِّقاً) حال (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) لما فيها من الأحكام (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٦) قلنا (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) من الأحكام وفي قراءة بنصب يحكم وكسر لامه عطفا على معمول آتيناه (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤٧) (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) القرآن (بِالْحَقِ) متعلق بأنزلنا (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) قبله (مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً) شاهدا (عَلَيْهِ) والكتاب بمعنى الكتب (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك (بِما أَنْزَلَ اللهُ) إليك (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) عادلا (عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا
____________________________________
بالهدى التوحيد ، وبالنور الأحكام ، فالعطف مغاير.
قوله : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي معترفا بأنها من عند الله وإن نسخت أحكامها ، لأن الله سبحانه وتعالى كلف أمة كل عصر بأحكام تناسبها ، فالنسخ في الأحكام الفرعية لا الأصول ، كالتوحيد فلا نسخ فيه ، بل ما كان عليه آدم من التوحيد ، هو ما عليه باقي الأنبياء. قوله : (وَهُدىً) أي ذو هدى ، أو يولغ فيه حتى جعل نفس الهدى مبالغة ، على حد زيد عدل ، وعبر أولا بقوله فيه هدى وثانيا بقوله وهدى مبالغة. قوله : (وَمَوْعِظَةً) أي أحكام يتعظون بها ، والحكمة في زيادة الموعظة في الإنجيل دون التوراة ، لأن التوراة كان فيها الأحكام الشرعية فقط ، وإنما المواعظ كانت في الألواح وقد تكسرت ، وأما الإنجيل فهو مشتمل على الأحكام والمواعظ.
قوله : (لِلْمُتَّقِينَ) خصهم لأنهم المنتفعون بذلك. قوله : (وَ) (قلنا) قدره المفسر إشارة إلى أن الواو حرف عطف ، والمعطوف محذوف ، وقوله : (لْيَحْكُمْ) اللام لام الأمر والفعل مجزوم بها ، والجملة مقول القول ، والمحذوف معطوف على آتينا ، والمعنى آتينا عيسى ابن مريم الإنجيل وأمرناه ومن تبعه بالحكم به. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (بنصب يحكم) أي بأن مضمرة بعد لام كي. قوله : (عطفا على معمول آتيناه) فيه شيء لأنه إن أراد معموله الذي هو الإنجيل فهو غير ظاهر ، وإن أراد معموله الذي هو قوله هدى وموعظة ، والمعنى آتيناه الإنجيل لأجل الهدى والموعظة ، ولحكم أهل الإنجيل فهو صعب التركيب ، والأحسن أن قوله ليحكم متعلق بمحذوف ، والواو للاستئناف ، والمعنى وآتيناه ذلك ليحكم. قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) عبر بالفسق هنا لأنه خروج عن أمره تعالى وطاعته ، لأنه تقدمه أمر وهو قوله ليحكم ، وفي الحقيقة الفسق يرجع للظلم لأنه مخالفة الأمر ، فتعبيره بالظلم أولا ، وبالفسق ثانيا تفنن.
قوله : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ) معطوف على أنزلنا التوراة. قوله : (متعلق بأنزلنا) المناسب أن يقول متعلق بمحذوف حال من الكتاب ، وقوله : (مُصَدِّقاً) حال (مِنَ الْكِتابِ) أيضا. قوله : (مِنَ الْكِتابِ) بيان لما وأل في الكتاب للجنس ، فيشمل جميع الكتب السماوية. قوله : (وَمُهَيْمِناً) المهيمن معناه الحاضر الرقيب ، فالقرآن شاهد على سائر الكتب ، وعلى من آمن من أصحابها ومن كفر. قوله : (والكتاب بمعنى الكتب) أي فأل للجنس.
قوله : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) الخطاب للنبي والمراد غيره ، والمعنى لا يميل الحاكم بين الناس