نكتبه (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨) فيقضي بينهم ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول لهم كونوا ترابا (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) القرآن (صُمٌ) عن سماعها سماع قبول (وَبُكْمٌ) عن النطق بالحق (فِي الظُّلُماتِ) الكفر (مَنْ يَشَأِ اللهُ) إضلاله (يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ) هدايته (يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ) طريق (مُسْتَقِيمٍ) (٣٩) دين الإسلام (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرَأَيْتَكُمْ) أخبروني (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) في الدنيا (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) القيامة المشتملة عليه بغتة (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) لا (إِنْ
____________________________________
وإنما كفر من كفر من الجن والإنس عنادا. قوله : (اللوح المحفوظ) أي من الشيطان ، ومن التغيير والتبديل ، وهو من درة بيضاء فوق السماء السابعة ، طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، فحيث أريد بالكتاب اللوح المحفوظ ، فالعموم ظاهر ، فإن فيه تبيان كل شيء ما كان وما يكون وما هو كائن ، وقيل المراد بالكتاب القرآن ، وعليه فالمراد بقوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي ويحتاج إليه الخلق في أمورهم.
قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) أي يجمعون ، وهذا بيان لأحوالهم في الآخرة إثر بيان أحوالهم في الدنيا. قوله : (فيقضي بينهم) أي الأمم عقلاء أو غيرهم. قوله : (للجماء) أي وهي معدومة القرون ، وهذا كله لإظهار العدل ، فحيث لم يترك غير العقلاء فكيف بالعقلاء ، فلا بد من الحشر والحساب والجزاء ، إما بالعدل ، وإما بالفضل. قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها. قوله : (فِي الظُّلُماتِ) هو معنى قوله في الآية الأخرى ، عمي فهم صم القلوب عميها بكمها ، فلا يتأتى منهم انتفاع ولا اعتبار ، ولا يصل إليهم نور أبدا. قوله : (الكفر) أي فهو ظلمات معنوية ، فمثل الكافر كمثل رجل أعمى أصم أبكم في ظلمات فلا يهتدي إلى مقصوده ، كما أن الكافر كذلك.
قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) هذا دليل لما قبله ، ومفعول يشأ في كل محذوف قدره المفسر بقوله إضلاله وبقوله هدايته ، والمعنى أن الاضلال والاهتداء بتقدير الله ، فمن أراد الله هدايته ، سهل له أسبابها ، وجعله منهمكا في طاعته ، وإن وقعت منه معصية وفق للتوبة منها ، ومن أراد الله إضلاله ، حجبه عن نوره ، وتعسرت عليه أسباب الطاعة ، حتى لو وقعت منه طاعة ، تكون معلولة غير مقبولة ، وما في هذه الآية هو معنى قوله تعالى في الآية الأخرى (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) الآية. (قُلْ) (يا محمد) أي على سبيل التخويف والتوبيخ على الكفر بالله. قوله : (أخبروني) هكذا فسرت الرؤية في هذه الآية ونظائرها بالإخبار ، والأصل في الرؤية العلم أو الإبصار ، فأطلق العلم أو الإبصار ، وأريد لازمه وهو الإخبار ، لأن الإنسان لا يخبر إلا بما علمه أو أبصره ، واستعملت الهمزة التي هي. في الأصل لطلب العلم أو الإبصار في طلب الإخبار ففيه مجازان ، ورأى فعل ماض ، والتاء فاعل ، والكاف مفعول أول على حذف مضاف ، والجملة الاستفهامية في محل المفعول الثاني ، والتقدير أرأيتم عبادتكم غير الله هل تنفعكم ، والمعنى أخبروني يا أهل مكة ، إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بسرعة ، أتدعون إلها غير الله يكشف عنكم ما نزل بكم ، وجواب الاستفهام لا يدعون غير الله ، فإذا كان كذلك فهو أحق بأن يفرد بالعبادة.
قوله : (إِنْ أَتاكُمْ) جواب الشرط محذوف تقديره فمن تدعون. قوله : (في الدنيا) أي كالصاعقة