من التعب (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بالنصب عطفا على محل الليل (حُسْباناً) حسابا للأوقات أو الباء محذوفة وهو حال من مقدر أي يجريان كما في آية الرحمن (ذلِكَ) المذكور (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) في ملكه (الْعَلِيمِ) (٩٦) بخلقه (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) في الأسفار (قَدْ فَصَّلْنَا) بينا (الْآياتِ) الدلالات على قدرتنا (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٩٧) يتدبرون (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) خلقكم (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هي آدم (فَمُسْتَقَرٌّ) منكم في الرحم (وَمُسْتَوْدَعٌ) منكم في الصلب وفي قراءة بفتح القاف أي مكان قرار لكم (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨) ما يقال لهم (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا) فيه التفات عن الغيبة
____________________________________
قولنا : (سَكَناً) أي محل واستراحة. قوله : (يسكن فيه الخلق) أي جميعها حتى الهوام والمياه. قوله : (عطفا على محل الليل) أي وهو النصب حسبانا معطوف على سكنا ففيه العطف على معمولي عامل واحد وهو جاعل ، والتقدير : وجاعل الشمس والقمر حسبانا وذلك جائز باتفاق. قوله : (حُسْباناً) مصدر حسب وكذا الحسبان بكسر الحاء والحساب فله ثلاثة مصادر. قوله : (حسابا للأوقات) أي ضبطا لها ، أي علامة ضبط ، لكن الشمس يتم دورانها في سنة والقمر في شهر ، وذلك لنفع العباد دنيا ودينا ، قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ). قوله : (أو الباء محذوفة) أي فهو منصوب بنزع الخافض. قوله : (وهو حال من مقدر) لو قال متعلق بقدر لكان أحسن ، لأنك إذا تأملت تجد المحذوف هو الحال ، على أن جاعل بمعنى خالق ، وأما إن جعل بمعنى صير فهو مفعول ثان ، وهو إشارة لتقدير ثان في الآية. قوله : (الْعَزِيزِ) أي الغالب على أمره. قوله : (الْعَلِيمِ) أي ذو العلم التام.
قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ) أي خلق ، و (لَكُمُ) متعلق بجعل ، و (لِتَهْتَدُوا) بدل من لكم بدل اشتمال ، فلم يلزم عليه تعلق جر في جر متحدي اللفظ ، والمعنى بعامل واحد ، ونظيره قوله تعالى (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) فلبيوتهم بدل من لمن يكفر بإعادة العامل. قوله : (أَنْشَأَكُمْ) إنما عبر به لموافقة ما يأتي في قوله (وأنشأنا من بعدهم) ، وقوله (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ). قوله : (هي آدم) أي فكل أفراد النوع الإنساني منه.
قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ) بالكسر اسم فاعل وصف ، والمعنى منكم من استقر في الرحم ، وعبر في جانبه بالاستقرار ، لأن زمن بقاء النطفة في الرحم أكثر من زمن بقائها في الصلب. قوله : (وفي قراءة بفتح القاف) أي وأما مستودع فليس فيه إلا فتح الدال ، لكن على قراءة الكسر يكون معنى مستودع شيء مودوع وهو النطفة ، وعلى الفتح مكان استيداع وهو الصلب. قوله : (يَفْقَهُونَ) أي يفهمون الأسرار والدقائق ، وعبر هنا يفقهون إشارة إلى أن أطوار الإنسان وما احتوى عليه الإنسان أمر خفي تتحير فيه الألباب ، بخلاف النجوم فأمرها ظاهر مشاهد ، فعبر فيها بيعلمون.
قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) لما امتن سبحانه وتعالى على عباده أولا : بالإيجاد حيث قال (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) امتن ثانيا بإنزال الماء الذي به حياة كل شيء ونفعه ، وهو الرزق المشار إليه بقوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ). قوله : (فيه التفات) أي ونكتته الاعتناء بشأن ذلك المخرج ،