(مِنْها) بسببها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (٨٥) مقتدرا فيجازي كل أحد بما عمله (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) كأن قيل لكم سلام عليكم (فَحَيُّوا) المحيي (بِأَحْسَنَ مِنْها) بأن تقولوا له عليك
____________________________________
أشار بذلك إلى أن الكفل مرادف للنصيب وإنما غاير تفننا. قوله : (مُقِيتاً) هو في الأصل معناه الموصل لكل أحد قوته ، ومعلوم أن هذا لا يكون إلا من المقتدر أطلق وأريد منه المقتدر بمعنى القادر الذي لا يعجزه شيء. قوله : (بما عمله) أي من خير أو شر.
قوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) هذا من جملة أفراد الشفاعة الحسنة ، وفيه تعليم محاسن الأخلاق ، وهو أنه ينبغي للإنسان أن يجازي على المعروف بأحسن منه أو بمثله ، والتحية في الأصل الدعاء بطول الحياة ، وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضا يقول له حياك الله ، ثم استعملت في الإسلام وإنما اختير لفظ السّلام على لفظها الأصلي لأنه أتم وأنفع ، لأن السّلام معناه السلامة من الآفات الدنيوية والأخروية ، ورحمة الله إنعامه وإحسانه وبركاته حفظه من الزوال ، وأما طول الحياة فلا يلزم منه السلامة ، من الآفات ، بل قد يكون طول الحياة مذموما كما إذا كان في المعاصي ، فكان السّلام بهذا المعنى أتم وأكمل ، وأصل تحية تحيية كتزكية ، نقلت حركة الياء الأولى إلى ما قبلها ثم أدغمت فيما بعدها. قوله : (كأن قيل لكم سلام عليكم) أي بهذا اللفظ وما شابهه ، كالسلام عليكم ، أو سلامي عليكم ، أو سلام الله عليكم والأولى أن يأتي بميم الجمع ، ولو كان المسلم عليه واحدا أو مثنى أو جمع نسوة نظرا للملائكة المصاحبين للمسلم عليه ، فإذا سلم بغير هذا اللفظ كأمان الله عليكم أو غير ذلك ، فلا يجب عليه الرد ، ومن المطلوب المصافحة ، لما ورد أنها تذهب الغل من القلوب ، وأما تقبيل اليد فهو مكروه إلا لمن ترجى بركته كشيخ أو والد ، وأما المعانقة فمكروهة إلا لشوق ، كقدوم من سفر ونحوه. واعلم أن ابتداء السّلام سنة ، ورده فرض كفاية ، ولكن الابتداء أفضل من الرد ، لما ورد «أن للبادىء تسعين حسنة ، وللراد عشرة» ومثله الوضوء قبل الوقت فإنه مندوب ، لكنه أفضل من الوضوء بعده الواجب ، وإبراء المعسر مندوب ، وهو أفضل من أنظاره الواجب. وجمع ذلك بعضهم في قوله :
الفرض أفضل من تطوّع عابد |
|
حتّى ولو قد جاء منه بأكثر |
إلّا التّطهّر قبل وقت وابتداء |
|
للسّلام كذاك إبرا المعسر |
وقد تقدم في آخر البقرة. قوله : (فَحَيُّوا) أصله حييوا ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت الضمة فالتقى ساكنان الياء والواو ، فحذفت الياء وضم ما قبل الواو. قوله : (بأن تقولوا عليك السّلام ورحمة الله وبركاته) أي فإذا اقتصر البادىء على السّلام وزاد الراد الرحمة والبركة ، روي أن رجلا ، قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : السّلام عليك ، فقال : وعليك السّلام ورحمة الله وقال آخر : السّلام عليك ورحمة الله ، فقال : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته. وقال آخر : السّلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته ، فقال الرجل : نقصتني الفضل على سلامي ، فأين ما قال الله؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : لم تترك لي فضلا فرددت عليك مثله ، ولا يزاد على البركة شيء لا من البادي ولا من الراد ، لما ورد أن رجلا سلم على ابن عباس فقال له السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد شيئا ، فقال ابن عباس إن السّلام انتهى إلى البركة.