لحرصك عليهم (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً) سريا (فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً) مصعدا (فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) مما اقترحوا فافعل المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله (وَلَوْ شاءَ اللهُ) هدايتهم (لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٥) بذلك (إِنَّما يَسْتَجِيبُ) دعاءك إلى الإيمان (الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) سماع تفهم واعتبار (وَالْمَوْتى) أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع (يَبْعَثُهُمُ اللهُ) في الآخرة (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦) يردون
____________________________________
قوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) هذه الجملة شرطية ، وجوابها محذوف تقديره فافعل ، والشرط وجوابه جواب الشرط الأول ، والمعنى إن عظم عليك إعراضهم ، ولم تكتف بالمعجزات التي ظهرت على يديك فإن استطعت أن تأتيهم بآية فافعل. قوله : (سربا) بفتحات شق في الأرض ، والنفق السرب النافذ في الأرض ، ومنه النافقاء أحد أبواب حجرة اليربوع ، وذلك أن اليربوع يحفر في الأرض سربا ويجعل له بابين أو ثلاثة ، النافقاء والقاصعاء والرامياء ، ثم يدقق بالحفر ما يقارب وجه الأرض ، فإذا نابه أمر ، دفع تلك القشرة الدقيقة وخرج. والمعنى إن شئت أن تتحيل على إتيان آية لقومك على طبق ما اقترحوا فافعل ، وهذا عتاب لرسول الله على التعلق بإيمانهم ، وترق له إلى المقام الأكمل الذي هو التسليم له.
قوله : (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) أي من تحت الأرض أو من فوق السماء. قوله : (هدايتهم) أي جمعهم على الهدى. قوله : (ولكن لم يشأ ذلك) هذا استثناء نقيض المقدم ، فينتج نقيض التالي إن كان بينهما تساو كما هنا ، نظير لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا ، وقد أشار لمعنى النتيجة بقوله فلم يؤمنوا ، وإلا فالنتيجة فلم يجمعهم على الهدى. قوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي الذين لا تسليم لهم ، فلا تتعب نفسك في تطلب ما اقترحوه فإنهم لا يؤمنون.
قوله : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) هذا من جملة التسلية لرسول الله ، والمعنى لا تحزن على عدم إيمانهم ، فإنما يستجيب لك ويمتثل أمرك ، ويقبل المواعظ الذين يسمعون سماع قبول ، والذين لا يسمعون يبعثهم الله فيجازيهم على ما صدر منهم ، فللنار أهل ، وللجنة أهل ، فمن خلق الله فيه الهدى انتفع بالمواعظ وآمن ، ومن خلق فيه الضلال فلا تزيده المواعظ والآيات إلا ضلالا ، وهذه الآية في الحقيقة استدراك على قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى). فالمعنى لم يشأ جمعهم على الهدى ، بل قسم الخلق قسمين : قسم للجنة ، وقسم للنار. قوله : (دعاءك إلى الإيمان) هذا هو مفعول يستجيب ، والسين والتاء لتأكيد الإجابة ، والمراد بالذين يسمعون من سبقت لهم السعادة في الأزل ، فما يظهر منهم من الإيمان هو على طبق ما سبق. قوله : (أي الكفار) أشار بذلك إلى أن قوله (وَالْمَوْتى) مقابل قوله (الَّذِينَ يَسْمَعُونَ).
قوله : (يَبْعَثُهُمُ اللهُ) أي يحييهم ، وقوله (في الآخرة) إشارة للحشر ، أن المراد بالبعث الإحياء بعد الموت ، وهذا هو الأقرب ، وقيل معنى يبعثهم يحيي قلوبهم بالإيمان ، فهو بشارة لرسول الله بأن أعداءه يؤمنون ، ولكن يرده الحصر المتقدم ، وأيضا من آمن فهو داخل في قوله الذين يسمعون. قوله : (بأعمالهم) الباء إما سببية أو بمعنى على ، والمراد بالأعمال الكفر والمعاصي ، وقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) أي يوقفون