(فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتصييرها إلى النار (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (٩) يجحدون (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ) يا بني آدم (فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) بالياء أسبابا تعيشون بها جمع معيشة (قَلِيلاً ما) لتأكيد القلة (تَشْكُرُونَ) (١٠) على ذلك (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) أي أباكم آدم (ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أي صورناه أو أنتم في ظهره (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجود تحية بالإنحناء
____________________________________
السيئات أثقل ولو بأقل قليل أدخلوا النار إلا أن يعفو الله ، هذا إن كانت كبائرهم فيما بينهم وبين الله. وأما إن كانت عليهم تبعات ، وكانت لهم حسنات كثيرة ، فإنه يؤخذ من حسناتهم فيرد على المظلوم ، وإن لم يكن لهم حسنات أخذ من سيئات المظلوم ، فيحمل على الظالم من أوزار من ظلمه ، ثم يعذب إلا أن يرضي الله عنه خصماءه. قوله : (بالحسنات) أي بسبب ثقلها في الميزان ، ورجحانها على السيئات. قوله : (بالسيئات) أي بسبب رجحانها على الحسنات. قوله : (بِما كانُوا) متعلق بخسروا ، وما مصدرية ، و (بِآياتِنا) متعلق بيظلمون قدم عليه للفاصلة ، وقوله : (يجحدون) أشار بذلك إلى أنه ضمن الظلم معنى الجحد فعداه بالباء.
قوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ) الخ لما بين سبحانه وتعالى عاقبة من استمر على الكفر ، ومن استمر على الإيمان ، ذكر ما أفاض عليهم من النعم الموجبة للشكر. قوله : (مَعايِشَ) (بالياء) أي باتفاق السبعة ، لأن الياء أصلية إذ هي جمع معيشة ، وأصلها معيشة بسكون العين وكسر الياء أو ضمها ، نقلت كسرة الياء إلى الساكن قبلها ، أو قلبت ضمة الياء كسرة ثم نقلت إلى ما قبلها ، وحيث كانت الياء في المفرد أصلية فإنها تبقى في الجمع ، وقرىء شذوذا بالهمزة تخريجا على زيادة الياء وأصالة الميم ، وأما إن كانت الياء في المفرد زائدة ، فإنها تكون في الجمع همزة ، كصحائف وصحيفة. قال ابن مالك :
والمد زيد ثالثا في الواحد |
|
همزا يرى في مثل كالقلائد |
قوله : (أسبابا تعيشون بها) أي تحيون فيها كالمأكل والمشرب وما به تكون الحياة. قوله : (لتأكيد القلة) أي زائدة لتأكيد القلة ، والمعنى أن الشاكر قليل ، قال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ). قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) الخ تذكير لنعمة عظيمة على آدم ، سارية إلى ذريته موجبة لشكرها. قوله : (أي أباكم آدم) أي حين كان طيبا غير مصور. قوله : (أي صورناه) أي حين كان بشرا بتخطيطه وشق حواسه ، وإنما جعل المفسر الكلام على حذف مضاف لأجل أن يصح الترتيب بثم ، وإنما ينسب الخلق والتصوير للخاطبين إعطاء لمقام الامتنان حقه ، وتأكيدا لوجوب الشكر عليهم بالرمز ، إلى أن لهم حظا من خلق أبيهم وتصويره ، لأنهما من الأمور السارية في الذرية جميعا. قوله : (أو أنتم في ظهره) هكذا في نسخة بأو ، وفي أخرى بالواو ، فعلى الأول يكون جوابا ثانيا. والحاصل أن الناس اختلفوا في (ثُمَ) في هذين الموضعين ، فمنهم من لم يلتزم فيها ترتيبا ، وجعلها بمنزلة الواو ، وأبقى الآية على ظاهرها ، ومنهم من قال هي للتريث الزماني ، وجعل الكلام على حذف مضاف في الخلق والتصوير. قوله : (سجود تحية بالانحناء) أشار بذلك إلى أن المراد السجود اللغوي وهو الانحناء ، كسجود إخوة يوسف وأبويه له ، وقد كان تحية للملوك في الأمم السابقة ، وعليه فلا إشكال ، وقال بعضهم : إن السجود شرعي بوضع الجبهة على الأرض لله وآدم قبلة كالكعبة ، ويحتمل أن السجود على ظاهره لآدم ، وقولهم إن السجود لغير الله كفر محله