يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩) علما وقدرة فلا يفوتونه (يَكادُ) يقرب (الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) يأخذها بسرعة (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) أي في ضوئه (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) وقفوا تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجب قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا قيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) بمعنى أسماعهم (وَأَبْصارِهِمْ) الظاهرة كما ذهب بالباطنة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) شاءه (قَدِيرٌ) (٢٠) ومنه
____________________________________
إفلات ، قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً).
قوله : (يَكادُ الْبَرْقُ) هذا من تمام المثل ، وأما قوله : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) فجملة معترضة بين أجزاء المشبه به جيء بها تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وأصل يكاد يكود بفتح الواو نقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها فتحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، وأصل ماضيها كود بكسر الواو تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، وهذا التصريف في الناقصة ، وأما التامة ففعلها يائي وهي بمعنى المكر ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) وأصل مضارعها يكيد بسكون الكاف وكسر الياء نقلت كسرة الياء إلى الكاف فصحت الياء. قوله : (يَخْطَفُ) بفتح الطاء مضارع خطف بفتح الطاء وكسرها. قوله : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ) كل بحسب ما تضاف إليه وما نكرة بمعنى وقت ، فكل ظرفية والعامل فيها مشوا وفاعل أضاء يعود على البرق ، وأضاء يحتمل أن يكون متعديا ، والمفعول محذوف التقدير كل وقت أضاء لهم البرق طريقا (مَشَوْا فِيهِ) فالضمير في فيه عائد على الطريق ، ويحتمل أن يكون لازما ، والضمير عائد على الضوء. قوله : (تمثيل) أي من باب تمثيل الجزئيات بالجزئيات فقوله من الحجج أي المشبهة بالرعد والبرق الخاطف ، وقوله : (وتصديقهم لما سمعوا فيه ما يحبون) أي من الآيات الموافقة لطبعهم كالقسم لهم من الغنائم وعدم التعرض لهم وأموالهم ، وأشار بذلك بقوله : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) ، فكذلك هؤلاء ، وقوله : (ووقوفهم عما يكرهون) أي من التكاليف كالصلاة والصوم والحج والحكم عليهم ، قالت تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ، وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) وأشار إلى ذلك بقوله : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا). قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) يحتمل أن هذا من تعليقات المشبه به الذي هو أصحاب الصيب ، التقدير لو لا مشيئة الله سبقت لخطف البرق أبصارهم ولأذهب الرعد أسماعهم ، فإن ما ذكر سبب عادي لإذهاب السمع والبصر ، ولكن قد يوجد السبب ولا يوجد المسبب لتخلف المشيئة ، والمقصود من ذلك زيادة القوة في المشبه به ويلزم منه القوة في المشبه ، وهذا ما عليه أبو حيان والبيضاوي ، ويحتمل أنه من تعلقات المشبه وهم المنافقون ، وعليه المفسر حيث أشار لذلك بقوله كما ذهب بالباطنة. قوله : (بمعنى أسماعهم) أشار بذلك إلى أن السمع بمعنى الإسماع. قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) هذا دليل لما قبله. قوله : (شاءه) دفع بذلك ما يقال إن الشيء هو الموجود ومن ذلك ذات الله وصفاته وكل للإستغراق ، فيقتضي أن القدرة تتعلق بالواجبات فدفع ذلك بقوله شاءه أي أراده ، والإرادة لا تتعلق إلا بالممكن ، فكذا القدرة فخرجت ذات الله وصفاته فلا تتعلق بهما القدرة إلا لزم ، إما تحصيل الحاصل أو قلب الحقائق. قوله : (قَدِيرٌ) من القدر وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالممكنات إيجادا أو إعداما على وفق الإرادة والعلم. قوله : (ومنه إذهاب ما ذكره) أي من جملة الشيء الذي شاءه ، وقوله ما ذكره أي السمع والبصر.