الناس جميعا (مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) بعد الرسل أي أممهم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضا (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) لمشيئة ذلك (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) ثبت على إيمانه (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) كالنصارى بعد المسيح (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) تأكيد (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٢٥٣) من توفيق من شاء وخذلان من شاء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) زكاته (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ) فداء (فِيهِ وَلا خُلَّةٌ) صداقة تنفع (وَلا شَفاعَةٌ) بغير إذنه وهو يوم القيامة وفي قراءة برفع الثلاثة (وَالْكافِرُونَ) بالله أو بما فرض عليهم (هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢٥٤) لوضعهم أمر الله في غير محله (اللهُ لا إِلهَ) أي لا معبود بحق في الوجود (إِلَّا هُوَ الْحَيُ) الدائم
____________________________________
على يده. قوله : (هدى الناس) مفعول لشاء ، وقوله : (مَا اقْتَتَلَ) جواب لو ، وهو إشارة لقياس استثنائي نظمه أن تقول لو شاء الله هدى الناس جميعا ما اقتتل الذين من بعد الرسل ولكنهم اقتتلوا فلم يشأ الله هداهم جميعا. قوله : (بعد الرسل) أي بعد مجيئهم. قوله : (أي أممهم) تفسير للذين ، وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ) متعلق باقتتل وما مصدرية أي من بعد مجيء البينات لهم. قوله : (لاختلافهم) علة للاقتتال.
قوله : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) هذا استثناء لنقيض التالي فينتج نقيض المقدم ، وهو لم يشأ الله هداهم لكنه عبر بالسبب وهو الاختلاف عن المسبب وهو الاقتتال. قوله : (لمشيئة ذلك) أي فلو شاء هداهم لم يختلفوا ولم يقتتلوا ، فالحق واضح ظاهر ، وإنما كفر من كفر بإرادة الله عدم إيمانه فالعبد مجبور في قالب مختار. قوله : (ثبت على إيمانه) أي بإرادة الله. قوله : (زكاته) قدره إشارة إلى أن المراد الانفاق الواجب بدليل الوعيد العظيم ونحو الزكاة كل نفقة واجبة. قوله : (بغير إذنه) أشار بذلك إلى أن الآية المطلقة فتحمل على المقيدة وهي قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية. قوله : (برفع الثلاثة) أي على أن لا نافية مهملة أو عاملة عمل ليس ، لأنها إذا تكررت جاز إعمالها وإلغاؤها ، وأما على القراءة الأولى فهي عاملة عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر. قوله : (بالله) أي فهو كفر حقيقي ، وقوله : (أو بما فرض عليهم) أي بالتفريط في الفرائض وهو كفر مجازي.
قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) هذه الآية تسمى آية الكرسي وهي أفضل أي القرآن ، لأن التوحيد الذي استفيد منها لم يستفد من آية سواها ، لأن الشيء يشرف بشرف موضوعه ، فإنها اشتملت على أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمالات لله ونفي النقائض عنه تعالى ، وورد في فضلها من الأحاديث الكثيرة ما يجل عن الحصر ، منها من قرأها عند خروجه من بيته كان في ضمان الله حتى يرجع ، ومنها من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ومنها ما قرئت في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة ، يا علي علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها ، ومنها من قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله ، ومنها سيد الكلام القرآن ، وسيد القرآن البقرة ، وسيد البقرة آية الكرسي ، ومنها ما ورد أنه نزل جبريل على موسى وقال له ربك يقول لك من قال عقب كل صلاة اللهم إني أقدم إليك بين يدي كل نفس ولمحة وطرفة يطرف بها أهل السموات وأهل الأرض وكل شيء هو في علمك كائن أو قد كان أقدم إليك بين يدي ذلك كله الله لا إله إلا هو الحي القيوم إلى آخرها ، فإن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ليس منها ساعة إلا ويصعد إلى