بعد إبراهيم ، ولم تكن على عهده حراما كما زعموا (قُلْ) لهم (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) ليتبين صدق قولكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٣) فيه فبهتوا ولم يأتوا بها قال تعالى (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب لا على عهد إبراهيم (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩٤) المتجاوزون الحق إلى الباطل (قُلْ صَدَقَ اللهُ) في هذا كجميع ما أخبر به (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) التي أنا عليها (حَنِيفاً) مائلا عن كل دين إلى الإسلام (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٩٥) ونزل لما قالوا قبلتنا قبل قبلتكم (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ) متعبدا (لِلنَّاسِ) في الأرض (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) بالباء لغة في مكة سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها بناه الملائكة قبل خلق آدم ووضع بعده الأقصى وبينهما أربعون سنة كما في حديث الصحيحين ، وفي الحديث «أنه أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة بيضاء فدحيت الأرض من تحته» (مُبارَكاً) حال من الذي أي ذا بركة (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٩٦) لأنه قبلتهم (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) منها (مَقامُ إِبْراهِيمَ) أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر
____________________________________
ما ذكر ليس مندوبا ، قوله : (فحرم عليه) قيل حرمت أيضا على أولاده تبعا له ، وقيل هو حرمها على نفسه وعلى ذريته.
قوله : (مِنْ قَبْلِ) ظرف متعلق بحلا مع ملاحظة الإستثناء ، ويحتمل أنه متعلق بقوله إلا ما حرم قوله : (وذلك بعد إبراهيم) أي بألف سنة ، قوله : (صدق قولكم) أي أخباركم عنه بأن ما ذكر حرام عليه. قوله : (فبهتوا) من باب علم أو نصر أو كرم أو زهي ، والمعنى دهشوا وتحيروا وانقطعت حجتهم. قوله : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي اختلقه من عند نفسه ، قوله : (أن التحريم) أي لخصوص لحوم الإبل والبانها. قوله : (قُلْ صَدَقَ اللهُ) أي ثبت وتقرر صدقه وظهر كذبكم. قوله : (كجميع ما أخبر به) أي كصدقة في جميع أخباره التي جاءت بها الرسل. قوله : (التي أنا عليها) أي وجميع المؤمنين.
قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريض لهم بأنهم هم المشركون ، وبيان أن النبي على ملة إبراهيم من حيث السهولة وأصول الدين. قوله : (ونزل لما قالوا إلخ) أي حين حولت القبلة قالوا لم تحولت عن قبلتنا مع كونها أقدم وأفضل. قوله : (لغة في مكة) أي فأبدلت الميم باء ، قوله : (لأنها تبك أعناق الجبابرة) أي وسميت مكة لأنها من الملك وهو الإزالة ، فإنها تزيل الذنوب وتمحوها ، قوله : (بناه الملائكة) ورد أن الله خلق البيت المعمور ، وكانت ملائكة السماء تطوف به ، اشتاقت ملائكة الأرض لبيت مثله ، فأمرهم ببناء بيت محاذ للبيت الذي في السماء وكان من درة بيضاء وطافت به قبل آدم الفي سنة. قوله : (ووضع بعده) أي بعد بنائه ظاهره أنه وضع بعد بناء الملائكة بأربعين سنة ، فيكون من وضع الملائكة ويكون متقدما على آدم وليس كذلك ، بل الحق أن بيت المقدس وضعه آدم بعد بنائه هو البيت الحرام بأربعين سنة. قوله : (زبدة) بالتحريك رغوة بيضاء. قوله : (ذا بركة) أي من حيث الحج به وتكفير السيئات لمن دخله بذل وانكسار. قوله : (لأنه قبلتهم) أي يتوجهون إليه عند الصلاة ، وعموم