(أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (١٢٢) أي قولا. ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب (لَيْسَ) الأمر منوطا (بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) بل بالعمل الصالح (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) إما في الآخرة أو في الدنيا بالبلاء والمحن كما ورد في الحديث (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (وَلِيًّا) يحفظه (وَلا نَصِيراً) (١٢٣) يمنعه منه (وَمَنْ يَعْمَلْ) شيئا (مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ) بالبناء للمفعول والفاعل (الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (١٢٤) قدر نقرة النواة
____________________________________
لوعدا. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، وهو كالدليل لما قبله : قوله : (لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب) أي حيث قال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء ، وكتابنا يقضي على سائر الكتب ، ونحن آمنّا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا ، فنحن أولى بالله منكم ، وقال أهل الكتاب : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم فنحن أولى منكم ، وقيل سبب نزول الآية افتخار أهل الكتاب ومشركي العرب ، وعليه فلا يحتاج لتأويل في قوله : (يُجْزَ بِهِ) بل يحمل الجزاء لكل من الفريقين على الخلود في النار.
قوله : (لَيْسَ) (الأمر منوطا) أشار بذلك إلى أن اسم ليس ضمير عائد على الأمر ، وقوله : (بِأَمانِيِّكُمْ) متعلق بمحذوف خبرها أي منوطا بمعنى متعلقا ومرتبطا. قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) أي من مؤمن أو كافر. قوله : (إما في الآخرة) أي وهو محتم في حق من مات كافرا ، وأما من مات عاصيا ولم يتب فتحت المشيئة. قوله : (كما ورد في الحديث) أي وهو أن أبا بكر لما نزلت قال : يا رسول الله وأينا لم يعمل السوء ، وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «أما أنت وأصحابك المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس عليكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة» ، وفي رواية قال أبو بكر : فمن ينجو من هذا؟ فقال عليه الصلاة والسّلام : أما تمرض أو يصيبك البلاء؟ قال : بلى ، قال : هو ذلك.
قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ) هذا مقابل قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قوله : (شيئا) أشار بذلك إلى أن من للتبعيض ، لأنه لا يمكن استيفاء جميع الأعمال الصالحة. قوله : (مِنَ الصَّالِحاتِ) الجار والمجرور متعلق بشيئا الذي قدره المفسر. قوله : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) حال من الضمير في (يَعْمَلْ) وكذا قوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وأما الكافر فأعماله الصالحة ضائعة ، قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) قوله : (فَأُولئِكَ) هذه الجملة جواب الشرط. قوله : (بالبناء للمفعول) أي والجنة مفعول ثان ، والواو نائب الفاعل مفعول أول ، لأنه من أدخل الرباعي فهو ينصب مفعولين ، وقوله : (والفاعل) أي من دخل فهو ينصب مفعولا واحدا فمفعوله الجنة والواو فاعله ، وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) أي لا ينقصون شيئا أبدا لا قليلا ولا كثيرا ، ويؤخذ من الآية أن جزاء الأعمال الصالحة في الآخرة ، وأما النعم التي يعطاها المؤمن في الدنيا من عافية ورزق وغير ذلك ، فليست جزاء لأعماله الصالحة ، بل تكفل الله بها لكل حي في الدنيا مسلما أو كافرا ، بل بعض العبيد من أهل المحبة في الله لا ينتظر بعمله الجنة ، بل يقول إنما عبدناك لذاتك لا لشيء آخر ، قال العارف بن الفارض حين كشف له عن الجنة وما أعد له فيها في مرض موته :