يَظُنُّونَ) يوقنون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) بالبعث (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) في الآخرة فيجازيهم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) بالشكر عليها بطاعتي (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) أي آباءكم (عَلَى الْعالَمِينَ) (٤٧) عالمي زمانهم (وَاتَّقُوا) خافوا (يَوْماً لا تَجْزِي) فيه (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) هو يوم القيامة (وَلا يُقْبَلُ) بالتاء والياء (مِنْها شَفاعَةٌ) أي ليس لها شفاعة فتقبل فمالنا من
____________________________________
(اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) ، أي وإن ما أمر به بنو إسرائيل لكبيرة. قوله : (يوقنون) أشار بذلك إلى أن الظن يستعمل بمعنى اليقين ، وقد يستعمل اليقين بمعنى الظن ، قال تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) أي ظننتموهن. قوله : (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي يعتقدون أنهم يبعثون ويرون ربهم ، فقوله بالبعث الباء سببية. قوله : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي صائرون فيحاسبهم على أعمالهم فيدخلهم إما الجنة أو النار ، وبهذا التفسير فلا تكرار بين قوله : (أنهم ملاقوا ربهم) ، وبين قوله : (وأنهم إليه راجعون).
قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) كرر هذا النداء لطول الفصل ، بناء على أن الخطاب في (واستعينوا بالصبر والصلاة) لغير بني إسرائيل ولتعداد النعم عليهم وللتأكيد لبلادتهم ، فإن الذكي يفهم بالمثال الواحد ما لا يفهمه الغبي بألف شاهد. قوله : (بالشكر عليها) أي باتباع محمد والدخول في دينه ، ولا ينفعهم الإنتساب لغيره مع وجوده. قوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) في تأويل مصدر معطوف على نعمتي أي اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم. قوله : (أي آباؤكم) اشارة إلى أنه على حذف مضاف ، فالفضل ثابت لآبائهم المتقدمين لا لمن وجد في زمنه صلىاللهعليهوسلم ، فإن المصر منهم على الكفر من همج الهمج. قوله : (عالمي زمانهم) دفع بذلك ما يقال إن المراد بالعالمين ما سوى الله ، فيقتضى أن بني إسرائيل أفضل مما سواهم من الأولين والآخرين ، فأجاب بأن المراد بالعالمين عالمو زمانهم وهذا هو المرتضى ، وهناك أجوبة أخر منها أن المراد بآبائهم الأنبياء وهو مخدوش بأن ابراهيم أفضل من أنبياء بني إسرائيل ، ومحمدا أفضل الخلق جميعا ، ومنها أن المراد تفضيل أمم بني إسرائل على جميع الأمم وهو مخدوش أيضا بأن أمة محمد أفضل الأمم جميعا باتفاق لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، ولذلك طلب موسى أن يكون منهم فلم يتم إلا الأول.
قوله : (وَاتَّقُوا) أصله أوتقوا قلبت الواو تاء وأدغمت في التاء ، وقوله يوما مفعول به وليس ظرفا لأن الخوف واقع على اليوم لا في اليوم. قوله : (لا تَجْزِي) (فيه) صفة ليوما وقدر المفسر قوله فيه إشارة للرابط ، وحذف لأنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها. قوله : (عَنْ نَفْسٍ) متعلق بتجزي ونفس فاعل تجزي وهو بمعنى تغني أي لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة شيئا من عذاب الله ، وأما قوله يحشر المرء مع من أحب أي إذا كان المحب مؤمنا ، والأصول لا تنفع الفروع إلا إذا كان مع الفروع إيمان ، قال تعالى : (بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ). قوله : (بالتاء الياء) قراءتان سبعيتان فعلى التاء الأمر ظاهر ، وعلى الياء لأنه مجازي التأنيث ، فيصح تذكير الفعل وتأنيثه. قوله : (مِنْها شَفاعَةٌ) أي النفس المؤمنة لا تقبل شفاعتها في النفس الكافرة. قوله : (وليس لها شفاعة فتقبل) أي لم يؤذن لها في أصل الشفاعة حتى يتسبب عنها القبول ، وليس المراد أنها تشفع ولكن لا يقبل منها تلك الشفاعة لقوله تعالى : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ)