الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين (وَجَعَلَ) خلق (الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها وهذا من دلائل وحدانيته (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) مع قيام هذا الدليل (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١) يسوون غيره في العبادة (هُوَ الَّذِي
____________________________________
عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره. قوله : (الوصف بالجميل) زاد بعضهم على جهة التعظيم والتبجيل لإخراج التهكم كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). قوله : (ثابت) قدره إشارة إلى أن (لِلَّهِ) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الذي هو الحمد. قوله : (وهل المراد به الإعلام بذلك) أي فتكون الجملة خبرية لفظا ومعنى ، وقوله (أو الثناء به) أي فهي خبرية لفظا إنشائية معنى. قوله : (أو هما) أي فهي مستعملة في حقيقتها ومجازها ، فالقصد إعلام العبيد للإيمان به ، وإنشاء الثناء به ، وهذا هو حمد القديم للقديم ، وأل في الحمد يصح أن تكون للاستغراق أو الجنس أو العهد ، واللام في لله للاستحقاق. قوله : (قاله الشيخ) أي الجلال المحلي.
قوله : (الَّذِي خَلَقَ) صفة لله ، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلية ، كأنه قيل الوصف بالجميل ثابت له لأنه الخالق للسماوات والأرض ، والمراد بالسماوات ما علا ، فيشمل العرش ، والمراد بالأرض ما سفل ، فيشمل ما تحتها ، وقدم السماوات لأنها أشرف من الأرض ، لكونها مسكن المطهرين لا غير ، والأرض وإن كان فيها الأنبياء لكنها احتوت على الأشرار والمفسدين ، ولأنها سابقة على الأرض كما في سورة النازعات ، قال تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) إلى أن قال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ولا منافاة بين آية فصلت ، وبين آية النازعات ، فإن الأرض خلقت أولا كرة ، ثم خلقت السماوات من دخان كما دلت عليه آية فصلت ، ثم بنى السماء ورفعها ، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ، والأرض بعد ذلك دحاها ، وإنما جمع السماوات لاختلاف أجناسها ، فإن الأولى من موج مكفوف ، والثانية مرمرة بيضاء ، والثالثة من حديد ، والرابعة من نحاس ، والخامسة من فضة ، والسادسة من ذهب والسابعة من ياقوتة حمراء. وأما الأرض وإن كانت سبعا أيضا إلا أنها من جنس واحد. واختلف هل الأرض مداد وهو الصحيح ، فالتعداد باعتبار أقطارها ، وقيل طباق كالسماء ، وأما السماء فهي طباق باتفاق. قوله : (خلق) أشار بذلك إلى أن (جَعَلَ) بمعنى خلق ، فتنصب مفعولا واحدا. قوله : (أي كل ظلمة) أي حسية كظلمة الليل والأجرام الكثيفة أو معنوية كالشرك والمعاصي. قوله : (ونور) أي حسي كالشمس والقمر والنجوم ومعنوي كالإسلام. قوله : (لكثرة أسبابها) أي الظلمة وأما النور فسببه واحد لا يتعدد ، لأنه إما معنوي وسببه الإسلام ، أو حسي وسببه النار.
قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ثم للترتيب الرتبي أي فبعد أن عرفوا الحق سووا به غيره فهو استبعاد لما وقع منهم. قوله : (بِرَبِّهِمْ) يحتمل أنه متعلق بكفروا ، وقوله (يَعْدِلُونَ) مفعوله محذوف قدره المفسر بقوله غيره ومعناه التسوية كما قاله المفسر ، ويحتمل أن بربهم متعلق بيعدلون والياء بمعنى عن ، والتقدير يميلون عن ربهم لغيره ، من العدول وهو الميل عن طريق الهدى.