(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ) القرآن (مُفَصَّلاً) مبينا فيه الحق من الباطل (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه (يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ) بالتخفيف والتشديد (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤) الشاكين فيه والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) بالأحكام والمواعيد (صِدْقاً وَعَدْلاً) تمييز (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) بنقض أو خلف (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما يقال (الْعَلِيمُ) (١١٥) بما يفعل (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) أي الكفار (يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (إِنْ) ما (يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذا قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم (وَإِنْ) ما (هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (١١٦) يكذبون في
____________________________________
بمرة ، أو لأن الحكم لا يجوز أصلا ، والحاكم قد يجور. قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ) الجملة حالية كأنه قال : أفغير الله أطلب حكما ، والحال أن الله هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ، فالذي يشهد لي هو القرآن ، وأما الكتب القديمة فإنها وإن كانت تشهد له أيضا ، لكن لما غيروا وبدلوا ، صارت غير معول عليها. قوله : (وأصحابه) أي ممن أسلم من علماء اليهود.
قوله : (يَعْلَمُونَ أَنَّهُ) أي الكتاب. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان ، قوله : (بِالْحَقِ) متعلق بمحذوف حال ، والتقدير أنه منزل من ربك حال كونه متلبسا بالحق. قوله : (والمراد بذلك التقرير الخ) دفع بذلك ما يقال إن الشك مستحيل على النبي ، فكيف ينهى عما يستحيل وصفه به ، فأجاب بما ذكر ، وأجيب أيضا بأنه من باب التعريض للكفار بأنهم هم الممترون ، فالخطاب له والمراد غيره.
قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) أي القرآن وفيها قراءتان : الجمع والإفراد ، فالجمع ظاهر ، والإفراد على إرادة الجنس والماهية ، وترسم بالتاء المجرورة على كل من القراءتين ، وهكذا كل ما قرىء بالجمع والإفراد إلا موضعين : أحدهما في يونس في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) وثانيهما في غافر في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) فاختلف فيها المصاحف ، فبعضهم بالتاء المجرورة ، وبعضهم بالتاء المربوطة. قوله : (بالأحكام والمواعيد) راجع لقوله : (صِدْقاً وَعَدْلاً) على سبيل اللف والنشر المشوش ، ولو أخره لكان أحسن ، والمعنى : تمت كلمات ربك من جهة الصدق ، كالأخبار والمواعيد ، والعدل كالأحكام فلا جور فيها ، وهذا إخبار من الله بحفظ القرآن من التغيير والتبديل ، كما وقع في الكتب المتقدمة ، وذلك سر قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ). قوله : (تمييز) أي على التوزيع ، أي صدقا في مواعيده وعدلا في أحكامه ، ويصح أن يكون حالا من ربك ، ويؤول المصدر باسم الفاعل ، أي حال كونه صادقا وعادلا. قوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) هذا كالتوكيد لقوله : (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) ، وقوله : (بنقض أو خلف) راجع لقوله : (صِدْقاً وَعَدْلاً) على سبيل اللف والنشر المرتب. قوله : (أي الكفار) تفسير للأكثر.
قوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ) قدر المفسر ما إشارة إلى أن إن نافية بمعنى ما. قوله : (إذ قالوا الخ) إشارة لسبب نزول هذه الآية وما بعدها ، وذلك أن المشركين قالوا للنبي : أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال :