ما (كَسَبُوا) عملوا من الحج والدعاء (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٢٠٢) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك (وَاذْكُرُوا اللهَ) بالتكبير عند رمي الجمرات (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) أي أيام التشريق الثلاثة (فَمَنْ تَعَجَّلَ) أي استعجل بالنفر من منى (فِي يَوْمَيْنِ) أي في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بالتعجيل (وَمَنْ تَأَخَّرَ) بها حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بذلك أي هم مخيرون في ذلك ونفي الأثم (لِمَنِ اتَّقى) الله في حجه لأنه الحاج في الحقيقة (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٠٣) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم (وَمِنَ
____________________________________
يؤتاه في الدنيا فقط ، أو بحسنة الدنيا والآخرة ، ولخسة الأول في دعائهم لم يبين الله ما طلبوه في الدنيا. قوله : (ثواب) أي على الطلب فيؤتون سؤالهم ويزادون ثوابا على طلبهم ، ذلك لأن الدعاء مع العبادة. قوله : (في قدر نصف نهار) بل قد ورد أنه في مقدار ساعة بل ورد أيضا كلمح البصر ، وذلك كناية عن عظيم قدرته ، فمن كان هذا وصفه ينبغي أن يتقي ويخشى ، وما من أحد من لمحاسبين إلا ويرى أنه لا محاسب غيره وذلك بعد انفضاض الموقف الذي تدنو الشمس فيه من الرؤوس ، ويسيل العرق في الأرض سبعين ذراعا ، وتكون النار حول الخلائق ، وتحيط الملائكة بالمخلوقات فيكونون سبع صفوف يحولون بينهم وبين النار ، وهو يختلف باختلاف الناس فنسأل الله السلامة من أهواله. قوله : (عند رمي الجمرات) أي عند رمي كل حصاة من حصيات الجمار يقول الله أكبر ، وكذلك عقب الصلوات وعند الذبح بأن يقول : بسم الله والله أكبر اللهم إن هذا منك وإليك ، قوله : (أي أيام التشريق الثلاثة) أي وهي ثاني يوم النحر وتالياه ، وأما يوم النحر فمعلوم للذبح غير معدود للرمي ، واليومان بعده معلومان معدودان ، والرابع معدود غير معلوم عند مالك وأبي حنيفة وعند الشافعي معلوم أيضا ، وما ذكره المفسر من أن المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة هو ما عليه مالك والشافعي ، وإطلاق التشريق على الثلاثة اعتبار بمذهب الشافعي ، والحاصل أن يوم النحر يفعل فيه رمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق ثم طواف الإفاضة ، وفي الثاني يرمي ثلاث جمرات يبدأ بالتي تلي مسجد منى ثم بالوسطى ثم يختم بالعقبة ، وكذا في الثالث والرابع إن لم يتعجل. قوله : (أي في ثاني أيام التشريق) دفع بذلك ما يتوهم أن له التعجل في كل من اليومين مع أنه لا معنى له. قوله : (بعد رمي جماره) أو هو بعد الزوال ومحل التخيير إن لم تغرب عليه الشمس وهو بمنى وإلا فيلزمه المبيت بها لرمي الثالث ، وأصل مشروعية الرمي عند أمر إبراهيم الخليل بذبح ولده ، فلما توجه به لمنى تعرض له الشيطان عند المسجد فرماه بسبع حصيات ، ثم تعرض له عند الوسطى فرماه أيضا بسبع ، ثم تعرض له عند العقبة فرماه أيضا بسبع ، فهو ما زال سببه وبقي حكمه.
قوله : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي لا حرج لأنه رخصة. قوله : (أي هم مخيرون) جواب عن سؤال وهو أن المتأخر أتى بالمطلوب فكيف ينفى عنه الإثم ، وأجيب أيضا بأن ذكر الإثم في جانب المتأخر مشاكلة ، وأجيب أيضا بأنه رد على من زعم من الجاهلية أن على المعجل الإثم وعلى من زعم منهم أن على المتأخر الإثم. قوله : (ونفي الإثم) (لِمَنِ اتَّقى) أشار بذلك إلى أن لمن اتقى خبر لمحذوف قدره بقوله ونفي الإثم. قوله : (لأنه الحاج على الحقيقة) وفي نسخة في الحقيقة أي لاستكماله الشروط والآداب ، وأما غير المتقي فعليه الإثم مطلقا تعجل أو تأخر كالحاج بالمال الحرام ومرتكب المعاصي. قوله : (فيجازيكم بأعمالكم) أي إن خيرا فخير وإن شرا فشر.