(وَمَنْ) أي لا أحد (أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي انقاد وأخلص عمله (لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) موحد (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) الموافقة لملة الإسلام (حَنِيفاً) حال أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (١٢٥) صفيا خالص المحبة له (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) (١٢٦) علما وقدرة أي لم يزل متصفا بذلك (وَيَسْتَفْتُونَكَ) يطلبون منك الفتوى (فِي) شأن (النِّساءِ) وميراثهن (قُلِ) لهم (اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا (فِي يَتامَى
____________________________________
إن كان منزلتي في الحبّ عندكم |
|
ما قد رأيت فقد ضيّعت أيّامي |
قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي نفسه وذاته ، وعبر عنها بالوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان. قوله : (وهو محسن) الجملة حال من ضمير أسلم. قوله : (وَاتَّبَعَ) إما عطف لازم على ملزوم ، وعلة على معلول ، أو حال ثانية ، والقصد بذلك إقامة الحجة على المشركين جميعا في عدم اتباعهم لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، لأن إبراهيم متفق على مدحه حتى من اليهود والنصارى ، فالمعنى ما تقولون فيمن اتبع ملة إبراهيم ، فيقولون لا أحد أحسن منه ، فيقال لهم إن محمدا على ملة إبراهيم فلم لم تتبعوه وتتركوا ما أنتم عليه من عبادة غير الله. قوله : (حال) أي إما من ضمير اتبع أو من إبراهيم ، ولصحة هذين المعنيين أجمل المفسر في الحال. قوله : (خالص المحبة له) أي لم يجعل في قلبه غير محبة ربه ، لتخللها في حشاشته وانطباعها في مهجته ، وقوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) كالدليل لما قبله ، أي من اتخذه الله خليلا فهو جدير بأن تتبع ملته.
قوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هذا دليل ما تقدم ، أي حيث كانت السموات وما فيها ، والأرض وما فيها لله وحده ولا مشارك له في شيء من ذلك ، فما معنى إشراك من لا يملك لنفسه شيئا ، مع من له جميع المخلوقات ، وهو آخذ بناصيتها ، وقيل أتى بهذه الآية دفعا لما يتوهم أن اتخاذ ابراهيم خليلا عن احتياج كما هو شأن الآدميين ، بل ذلك من فضله وكرمه. قوله : (علما وقدرة) أشار بذلك لقولين في تفسير قوله : (مُحِيطاً) قيل علما وقيل قدرة وكل صحيح. قوله : (أي لم يزل) أشار بذلك إلى أن كان للاستمرار لا للانقطاع. قوله : (يطلبون منك الفتوى) أي بيان ما حكم الله به في شأنهن ، والفتوى بالواو فتفتح الفاء والياء فتضم وجمعها فتاوي بكسر الواو ، ويجوز الفتح للخفة. قوله : (فِي) (شأن) (النِّساءِ) أي ما يتعلق بهن من دفع المهر لهن وعدم إيذائهن. قوله : (وميراثهن) عطف خاص ردا على من كان يمنعه من الجاهلية. قوله : (يُفْتِيكُمْ) أي يبين لكم تلك الأحكام. قوله : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يحتمل أن ما معطوف على لفظ الجلالة ، أو على الضمير المستتر في يفتيكم ، والفاصل موجود وهو الكاف ، لقول ابن مالك :
وإن على ضمير رفع متّصل |
|
عطفت فافصل بالضّمير المنفصل |
أو فاصل ما ، وعلى كل فيكون المفتي اثنين : الله سبحانه وتعالى وكتابه والتغاير بالاعتبار ، فالمعنى يفتيكم بنفسه على لسان نبيه ، وبكتابه على لسان نبيه ، فتأمل ، وفيه مزيد اعتناء بتلك الفتوى. قوله : (من آية الميراث) أي وهي قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآيات ، وكذلك الوصية التي تقدمت في