بالهزيمة (أَذاعُوا بِهِ) أفشوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي (وَلَوْ رَدُّوهُ) أي الخبر (إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) أي ذوي الرأي من أكابر الصحابة أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به (لَعَلِمَهُ) هل هو مما ينبغي أن يذاع أو لا (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) يتتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون (مِنْهُمْ) من الرسول وأولي الأمر (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام (وَرَحْمَتُهُ) لكم بالقرآن (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) فيما يأمركم به من الفواحش (إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣) (فَقُتِلَ) يا محمد (فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) فلا
____________________________________
قوله : (مِنَ الْأَمْنِ) الخ ، بيان الأمر. قوله : (من المنافقين) أي وقصدهم بذلك فتنة الضعفاء وقوله : (أو ضعفاء المؤمنين) أي جهلا منهم بذلك وهما قولان والراجح الأول. قوله : (فتضعف قلوب المؤمنين) هذا ظاهر بالنسبة للهزيمة ، وأما إشاعة النصر فالضعف فيه من حيث إن هذا الخبر بما وصل الكفار فيتجهزون ويعيدون الحرب ثانيا ، ففيه فتنة للضعفاء على كل حال. قوله : (من أكابر الصحابة) أي كأبي بكر وعمر ونظائرهما. قوله : (حتى يخبروا به) بالبناء للمفعول ، أي حتى يخبرهم النبي به. قوله : (هل هو مما ينبغي الخ) أي لعلموا صفته وكيفيته ، وإلا فهم عالمون به قبل ذلك. قوله : (وهم المذيعون) أي المنافقون أو ضعفاء المؤمنين ، وهو تفسير للذين يستنبطونه ، وهو إظهار في محل الإضمار أي لعلموه. وقوله : (مِنْهُمْ) من ابتدائية ، والجار والمجرور متعلق بيستنبطون ، والمعنى يتلقونه من جهة الرسول أو كبار الصحابة. قوله : (بالإسلام) أي بسبب إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) اعلم أن في هذا استثناء ستة أوجه : أحدها أنه مستثنى من فاعل اتبعتم ، والمعنى لاتبعتم الشيطان إلا قليلا منكم فإنه لم يتبعه ، كقس بن ساعدة وعمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ممن كان على دين عيسى قبل بعثة محمد ، والمراد بالفضل والرحمة المنتفيين على هذا بعثة محمد والقرآن ثانيهما أنه مستثنى من فاعل أتبعتم أيضا ، لكنه واقع على من لم يبلغ التكليف ، ويكون الاستثناء منقطعا. ثالثها أنه مستثنى من فاعل أذاعوا ، والمعنى أظهر وأخبر الأمن أو الخوف إلا قليلا فلم يظهروا. رابعها أنه مستثنى من فاعل علمه ، أي علمه الذين يستنبطونه إلا قليلا فلم يعلموا. خامسها أنه مستثنى من فاعل وجدوا أي إلا قليلا ، فلم يجدوا فيه اختلافا كثيرا لبلادتهم وعدم معرفتهم. سادسها أن قوله لاتبعتم خطاب لجميع الناس عموما ، والمراد بالقليل أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأحسن هذه الأوجه أولها ، وهو المأخوذ من سياق المفسر ، وأبعدها الأخير تأمل.
قوله : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره إذا تكاسلوا عن القتال فقاتل الخ ، فإنك منصور على كل حال ، ولو اجتمعت عليك أهل الأرض جميعا. قوله : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) هذه الجملة حال من فاعل قاتل ، والمعنى قاتل في سبيل الله ولا تنظر لكسلهم حال كونك غير مكلف إلا نفسك ، فلا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم عن القتال ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شدة الحرب لا يتغير وجهه أبدا ، بل كان يتبسم إذ ذاك ولا يكترث بملاقاة الأعداء ، قال البوصيري :
مسفر يلتقي الكتيبة بسا |
|
ما إذا أسهم الوجوه اللّقاء |