نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) هم قريش (أَنْ يَبْسُطُوا) يمدوا (إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) ليفتكوا بكم (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) وعصمكم مما أرادوا بكم (وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١) (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) بما يذكر بعد (وَبَعَثْنا) فيه التفات عن الغيبة أقمنا (مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) من كل سبط نقيب يكون كفيلا على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم (وَقالَ) لهم (اللهُ
____________________________________
بحسبهما مشركين ، فقالوا : يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما سألت ، فأجلسوه في صفة وهموا بالفتك به ، وعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه ، فأمسك الله تعالى يده ونزل جبريل عليه وأخبره ، فخرج هو وأصحابه ونقض عهدهم حينئذ ، وأقام الحرب عليهم ، وقيل هو ما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نزل منزلا ، وتفرق أصحابه في الشجر يستظلون به ، فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم تحت شجرة وعلق سيفه بها ونام ، فجاء أعرابي وأخذ السيف من الشجرة وسله ، فاستيقظ النبي صلىاللهعليهوسلم فوجده في يده ، فقال له الأعرابي : يا محمد من يمنعك مني؟ فقال : الله ، فسقط السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال له : «من يمنعك مني»؟ فقال : لا أحد ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، والأحسن أن يراد بقوله : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) ما هو أعم فيشمل هذه الوقائع وغيرها كواقعة السم. قوله : (أَنْ يَبْسُطُوا) الخ ، يقال بسط إليه يده إذا بطش به ، وبسط إليه لسانه إذا شتمه ، والمراد مدوا إليكم أيديهم بالقتل.
قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي دوموا على امتثال أوامره واجتناب نواهيه. قوله : (وَعَلَى اللهِ) أي لا على غيره ، فلا يعتمد الإنسان على سبب ولا غيره ، بل يثق بالله ويفوض أمره إليه. قوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كلام مستأنف مسوق لبيان تحريض المؤمنين على الوفاء بالعقود ، فإن المقصود من ذكر الأمم السابقة ، ونقضهم عهود أنبيائهم ، تذكير هذه الأمة بأن الوفاء بالعهود أمره عظيم وأجره جسيم ، ونقضه فيه الوبال الكبير ، ولذا قال العارف أبو الحسن الشاذلي : فالويل لمن لم يعرفك ، بل الويل ثم الويل لمن أقر بوحدانيتك ولم يرض بأحكامك. قوله : (بما يذكر بعد) أي من قوله : (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) الخ ، فعهد الله هو امتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، والدال على ذلك تجب مطاوعته ، فالشيخ المتمسك بشرع رسول الله ، القائم بحقوق الله وحقوق عباده ، إذا أخذ العهد بذلك على إنسان ، وجب عليه اتباعه ونقض عهده ، إما كفر إذا قصد نقض ما هو عليه من التوحيد وغيره ، أو ضلال مبين إذا قصد عدم الإلتزام بأوراده ، وأما من خالف الشرع ، واتبع هوى نفسه ، فالواجب نقض عهده ، لأن من لا عهد له مع الله ، لا عهد له مع خلقه ، قال تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) هكذا ينبغي. قوله : (فيه التفات عن الغيبة) أي وكان مقتضى الظاهر وبعث ، وإنما التفت اعتناء بشأن البعث قوله : (أقمنا) أشار بذلك إلى أن المراد بالبعث الجعل والإقامة ، لا الإرسال ، إلا لكانوا معصومين من النقض.
قوله : (مِنْهُمُ) إما متعلق ببعثنا ، أو بمحذوف حال من اثني عشر ، وقوله : (نَقِيباً) تمييزه ، والنقيب فعيل ، إما بمعنى فاعل لأنه يفتش على أحوال القوم ، أو بمعنى مفعول لأنهم فتشوا عليه ، واختاروه نقيبا عليهم مشتق من التنقيب وهو التفتيش ، ومنه فنقبوا في البلاد ، سمي بذلك لأنه يفتش عن أحوال القوم ويسعى في مصالحهم. قوله : (من كل سبط نقيب) أي فالنقباء على عدد الأسباط ، وهم أولاد يعقوب ، وكانوا اثني عشر كل واحد منهم سبط. قوله : (توثقة عليهم) أي تأكيدا عليهم.