على الآخرة (بِالصَّبْرِ) على الطاعة والبلاء (وَالصَّلاةِ) خصها بالذكر لتكررها وعظمها (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١٥٣) بالعون (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) هم (أَمْواتٌ بَلْ) هم (أَحْياءٌ) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت لحديث بذلك (وَلكِنْ لا
____________________________________
لِي) الحق أنه يتعدى بنفسه وباللام والمعنى واحد وهو من عطف الخاص على العام ، والنكة في ذلك بيان أعلى المقاصد في الذكر ، فإن المقاصد في الذكر مختلفة ، فمن قصد بذكره الدنيا فقط فهو دنيء ، ومن قصد بذكره دخول الجنة والنجاة من النار فهو أعلى من الأول ، ومن قصد بذكره شكر الله على خلقه إياه وإنعامه عليه ولم يقصد غيره فهو من المقربين لما في الحديث «أفلا أكون عبدا شكورا».
قوله : (وَلا تَكْفُرُونِ) أي لأن حقيقة الشكر أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، فمعنى لا تكفرون لا تصرفوا نعمي في غير ما خلقتها له. قوله : (على الطاعة) أي على دوامها سواء كانت الطاعة فعلا أو تركا. قوله : (والبلاء) أي المصائب بأقسام الصبر ثلاثة : صبر على الطاعة بدوام فعلها ، وصبر عن المعصية بدوام تركها ، وصبر على البلاء بحمد الله وشكره عليها فيكون شاكرا على السراء والضراء ، وأعظمها الصبر عن المعاصي ، وأقل منه الصبر على الطاعة ، وأقل منهما الصبر على البلاء لأنه ورد أن الصابر على البلاء يرفعه الله ثلثمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض مرة والصابر على دوام الطاعة يرفعه يرفع الله ستمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض امرة والصابر عن المعصية يرفعه الله تسعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ثلاث مرات. قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) خصهم وإن كان الله مع كل أحد لأن المراد معية مخصوصة وهي العون والإغاثة ، وأما المعية مع كل أحد فمعية علم وقدرة يتصرف فيهم كيف شاء ، وأما الصابرون فهم المحبوبون لله لقوله في الحديث : «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» حديث.
قوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذه الآية نزلت في قتلى بدر وكان المقتول من المسلمين أربعة عشر : ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ، لما قال المشركون والمنافقون هؤلاء قد ماتوا وضيعوا على أنفسهم الحياة ولذاتها وقد ادعوا أنهم ماتوا في مرضاة محمد فنزلت هذه الآية. قوله : (هم) (أَمْواتٌ) اشار بذلك إلى أن أموات خبر لمبتدأ محذوف والجملة في محل نصب مقول القول ، والمعنى يحرم قول ذلك للشهيد لأنه ليس بموت حقيقة ، وإنما هو انتقال من دار الكدر إلى دار الصفا ومن دار الحزن إلى دار السرور. قوله : (لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي وهم الشهداء وسموا بذلك لأن أرواحهم شهدت دار السّلام عند خروجها من البدن ، أو لأن الملائكة تشهد له بنصره لدين الإسلام.
قوله : (بَلْ) (هم) (أَحْياءٌ) أي حياة أخروية بالجسم والروح ليس كحياة أهل الدنيا ، لا يشاهدها إلا أهل الآخرة ومن خصه الله بالإطلاع عليها وهذا هو التحقيق خلافا لمن قال إنهم أحياء بالروح فقط لأنه يرد بأن كل انسان حي الروح مسلما كان أو كافرا لعدم فناء الروح ولا مزية للشهيد على غيره وهذه الحياة حقيقة ، وإنما خروج روحه انتقال من دار إلى أخرى وهي مزية من مزايا الأنبياء فلا يقال إنهم ساووهم ، وحكمة عدم تغسيل الشهداء بقاء دمهم ليشهد لهم يوم القيامة ، لما في الحديث «زملوهم بثيابهم اللون لون الدم والريح ريح المسك» ، وأما تغسيل الأنبياء فتعبدي أو للتشريع ولا تأكل الأرض