وقد فعل بهم ذلك عام الفتح (وَالْفِتْنَةُ) الشرك منهم (أَشَدُّ) أعظم (مِنَ الْقَتْلِ) لهم في الحرم أو الإحرام الذي استعظموه (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي في الحرم (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ) فيه (فَاقْتُلُوهُمْ) فيه ، وفي قراءة بلا ألف في الأفعال الثلاثة (كَذلِكَ) القتل والاخراج (جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١٩١) (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر وأسلموا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) (١٩٢) بهم (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ) توجد (فِتْنَةٌ) شرك (وَيَكُونَ الدِّينُ) العبادة (لِلَّهِ) وحده لا يعبد سواه (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الشرك فلا تعتدوا عليهم ، دل على هذا (فَلا عُدْوانَ) اعتداء بقتل أو غيره (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٩٣) ومن انتهى فليس بظالم فلا عدوان عليه (الشَّهْرُ الْحَرامُ) المحرم مقابل (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) فكما قاتلوكم فيه فاقتلوهم في مثله رد لاستعظام
____________________________________
يعني مكة وهو أمر بالإخراج ، فكأنه وعد من الله بالفتح لمكة ، وقد أنجز الله ما وعد به عام ثمان. قوله : (وقد فعل) أي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهم أي الكفار منهم. قوله : (عام الفتح) أي وهو العام الثامن. إن قلت : إن مدة الصلح باقية مع أن إخراجهم وقتالهم حصل قبل مضي تلك المدة. أجيب : بأنه حصل منهم نقض للعهد بعد عمرة القضاء.
قوله : (وَالْفِتْنَةُ) إلخ هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره إن خفتم أن تقاتلوهم في الشهر الحرام وراعيتم حرمة الشهر والإحرام والحرم ، فالشرك الذي حصل منهم الذي فيه تهاون برب الحرم أبلغ قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ) إلخ هذا توكيد المنسوخ وهو تفسير لقوله : (ولا تعتدوا). قوله : (أي في الحرم) إنما فسر عند بفي ، لأنه ظرف منصوب وهو على تقدير في ، وأطلق المسجد الحرام وأراد ما يعم الحرم بتمامه. قوله : (وفي قراءة بلا ألف) والقراءتان سبعيتان ، والتلاوة على هذا : ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم ، والمعنى فخذوا في أسباب قتلهم. قوله : (جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي في الدنيا وفي الآخرة العذاب الأليم.
قوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) أي رجعوا عن الكفر ، وأصله انتهيوا بياء مضمومه بعد الهاء ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت وتحركت الياء بحسب الأصل وانفتح ما قبلها بحسب الآن قلبت ألفا فالتقى ساكنان حذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها.
قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) هذا الآية ناسخة أيضا لما قبلها. قوله : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) أي في مكة أي لأن المراد تخليص للدين في مكة من الشرك فقط لا كل الجهات ، وأما آية الأنفال في قوله : (ويكون الدين كله) أي في كل الجهات. قوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) أي رجعوا عن الكفر وأسلموا. قوله : (فَلا عُدْوانَ) إلخ هذا خبر في صورة الأمر مبالغة ، أي فلا تنتقموا ولا تقتلوا إلا الظالمين ، والمعنى لا يجازى على عدوانه إلا الظالمون ، لأن العدوان واقع من الكفار بكفرهم وقتالهم للمسلمين لا من المسلمين بقتالهم لهم.
قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ) إلخ هذا نزل أيضا زيادة طمأنينة للمسلمين لأنه كان يشق عليهم القتال فيها تعظيما لها ، وقيل إنها نزلت ردا على الكفار والمنافقين المعترضين في قولهم إن الأشهر الحرم