(فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) أي أكلا منها (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمى كل منهما سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه (وَطَفِقا يَخْصِفانِ) أخذا يلزقان (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ليستترا به (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٢) بين العداوة والاستفهام للتقرير (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) بمعصيتنا (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) (قالَ اهْبِطُوا) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما
____________________________________
أي ما ذكر من كونهما يلحقان بالملائكة ويكونان من الخالدين. قوله : (فَدَلَّاهُما) التدلي النزول من أعلى لأسفل. قوله : (حطهما عن منزلتهما) أي الحسنة ، لأن غروره تسبب عنه نزولهما من الجنة إلى الأرض لا المعنوية ، بل رتبتهما عند الله لم تنقص بل ازدادت. قوله : (بِغُرُورٍ) الباء سببية ، والغرور تصوير الباطل بصورة الحق.
قوله : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) من الذواق وهو تناول الشيء ليعرف طعمه ، وفيه إشارة إلى أنهما لم يتناولا منها كثيرا ، لأن شأن من ذاق الشيء أن يقتصر على ما قل منه. قوله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي سقط عنهما لباسهما فبدت الخ. قوله : (ودبره) أي الآخر ، وأما دبر نفسه فلا يظهر له ، إلا إن التفت له وتعاناه. قوله : (يسوء صاحبه) أي يوقعه في السوء. قوله : (وَطَفِقا) من باب طرب ، أي شرعا وأخذا. قوله : (يَخْصِفانِ) من خصف النعل خرزه والمراد يلزقان بعضه على بعض لأجل الستر. قوله : (عَلَيْهِما) أي القبل والدبر. قوله : (مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) قيل ورق التين وقيل ورق الموز.
قوله : (ناداهُما رَبُّهُما) يحتمل على لسان ملك أو مباشرة. قوله : (أَلَمْ أَنْهَكُما) إما تفسير للنداء فلا محل له من الاعراب ، أو مقول لقول محذوف ، والتقدير قائلا : (أَلَمْ أَنْهَكُما) الخ ، قوله : (وَأَقُلْ لَكُما) أي كما في آية طه : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) الآية. قوله : (بين العداوة) لكما حيث امتنع من السجود له ، ورضي بالطرد والبعد. قوله : (استفهام للتقرير) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار ، والمعنى أقر بذلك على حد : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).
قوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) هذا إخبار من الله عن آدم وحواء باعترافهما وندمهما على ما وقع منهما ، وإنما عاتبهما الله على ذلك ، وإن كان ليس بمعصية حقيقة ، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وليس ذلك بقادح في عصمة آدم ، لأن المستحيل على الأنبياء تعمد المخالفة ، وأما الخطأ في الاجتهاد والنسيان الرحماني فهو جائز عليهم ، ونظير ذلك ما وقع في قصة ذي اليدين ، حيث سلم رسول الله من ركعتين ، فقال له ذي اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : كل ذلك لم يكن ، فقال : بل بعض ذلك قد كان الحديث ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم أنس ولكن أنسي لأسن» وحكمة الأكل من الشجرة ما ترتب على ذلك من وجود الخلق وعمارة الدنيا ، فأنساه الله لأجل حصول تلك الحكمة البالغة ، فمن نسب التعمد والتجرؤ لآدم فقد كفر ، كما أن من نفى عنه اسم العصيان فقد كفر لمصادمة آية : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) فالمخلص من ذلك أن يقال إن معصيته ليست كالمعاصي ، وتقدم تحقيق هذا المقام في سورة البقرة فانظره.
قوله : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) شرط حذف جوابه اكتفاء بجواب القسم. قوله : (بما اشتملتما عليه