لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠) من المن والسلوى وفلق البحر وغير ذلك (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) المطهرة (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أمركم بدخولها وهي الشام (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) تنهزموا خوف العدو (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١) في سعيكم (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) من بقايا عاد طوالا ذوي قوة (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) (٢٢) لها (قالَ) لهم (رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) مخالفة أمر الله وهما يوشع وكالب من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالعصمة فكتما ما اطلعا عليه من حالهم إلا عن موسى بخلاف بقية النقباء فأفشوه فجبنوا (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) باب
____________________________________
(مِنَ الْعالَمِينَ) أي مطلقا ، لأن فلق البحر والمن والسلوى لم يكن لأحد غيرهم ، ولا لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا حاجة هنا للتأويل بعالمي زمانهم. قوله : (من المن والسلوى) بيان لما. إن قلت : إن هذه المقالة وقعت حين أخذ الميثاق عليهم في قتال الجبارين ، فلا يظهر قول المفسر من المن والسلوى ، لأنه لم ينزل عليهم إلا في التيه ، وذلك بعد توجههم من مصر لقتال الجبارين ، فحينئذ كان المناسب للمفسر أن يقول من النبوة والملك وفلق البحر ، وقد يجاب : بأنه لا مانع من ذكر هذه الكلمة في التيه أيضا.
قوله : (يا قَوْمِ) الجمهور على كسر الميم من غير ياء ، وقرىء بضم الميم إجراء له مجرى المفرد ، وبالباء مفتوحة لأنه منادى مضاف لياء المتكلم ، قال ابن مالك :
واجعل منادى صحّ أن يضف ليا |
|
كعبد عبدي عبد عبدا عبديا |
قوله : (المطهرة) إنما سميت مطهرة لسكنى الأنبياء المطهرين فيها ، فشرفت وطهرت بهم ، فالظرف طاب بالمظروف ، إن قلت : إن الجبارين كانوا فيها وهم غير مطهرين أجيب : بأن الخير يغلب الشر ، والنور يغلب الظلمة. قوله : (أمركم بدخولها) دفع بذلك ما يقال : كيف الجمع بين الكتابة التي تفيد تحتم الدخول ، وبين قوله قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة ، فأجاب : بأن المراد بالكتب الأمر بالدخول ، وأجيب أيضا بأن قوله التي كتب الله لكم أي قدرها في اللوح المحفوظ ، إن لم تقع منكم مخالفة ، وقد وقعت فحرمت عليهم أربعين سنة ، فهو قضاء معلق.
قوله : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) أي ترجعوا إلى مصر ، فإنهم لما سمعوا بأخبار الجبارين ، قالوا تجعل لنا رئيسا ينصرف بنا إلى مصر ، وصاروا يبكون ويقولون ليتنا متنا بمصر. قوله : (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أي لأن الفرار من الزحف من الكبائر. قوله : (قالَ رَجُلانِ) وصفهما بصفتين : الأولى قوله : (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) والثانية قوله : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) وهو حسن ، لأن فيه الوصف بالجملة بعد الوصف بالجار والمجرور ، وهو من قبيل المفرد. قوله : (وهما يوشع) أي ابن نون وهو الذي نبىء بعد موسى ، وقوله : (وكالب) بكسر اللام وفتحها ابن يوقنا. قوله : (بقية النقباء) أي الاثني عشر ، وقوله : (فأفشوه) أي خبر الجبارين ، وقوله : (فجبنوا) أي بنو إسرائيل.
قوله : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) أي امنعوهم من الخروج ، لئلا يجدوا في أنفسهم قوة للحرب ،