الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) يصدقون (بِالْغَيْبِ) بما غاب عنهم من البعث والجنة والنار (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي يأتون بها بحقوقها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم (يُنْفِقُونَ) (٣) في طاعة الله (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ
________________________________
النواهي ، وهذا إشارة إلى تقوى الخواص وتحتها تقوى العوام وهي تقوى الشرك وفوقها تقوى خواص الخواص وهي تقوى ما يشغل عن الله. قال العارف :
ولو خطرت لي في سواك إرادة |
|
على خاطري يوما حكمت بردتي |
والآية في حد ذاتها شاملة للمراتب الثلاث.
قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) هذا تفصيل لبعض صفات المتقين وخصها لأنها أعلى الأوصاف ، وهو في محل جر صفة للمتقين ، أو رفع خبر لمحذوف ، أو نصب مفعول لمحذوف ، ويصح أن يكون مستأنفا مبتدأ خبره قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً) ، وعلى هذا فالوقف على المتقين تام لعدم ارتباطه بما بعده ، وعلى الإعراب الأول فهو حسن لأنه رأس آية وإن كان له ارتباط بما بعده. قوله : (بما غاب) أشار بذلك إلى إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل ، وما غاب عنا قسمان ما دل عليه عقلي أو سمعي ، كالجنة والنار والملائكة والعرش والكرسي واللوح والقلم والمولى سبحانه وتعالى وصفاته ، وما لم يدل عليه كالساعة ووقت نزول المطر ، وما في الأرحام وباقي الخمسة المذكورة في الآية. وأما الشهادة فهي ما ظهر لنا حسا أو عقلا ببداهة العقل كالواحد نصف الأثنين وأن الجرم متحيز. قوله : (من البعث إلخ) بيان لما. وقوله : (والجنة والنار) عطف عليه ، أي ونحو ذلك مما قام لنا الدليل عليه ، ويحتمل أن يبقى الغيب على مصدريته والباء متعلقة بمحذوف حال أي إيمانا ملتبسا بحالة الغيبة ، ففيها بيان لحال المؤمنين الخالصين وتعريض لحال المنافقين ، فإنهم كانوا يؤمنون ظاهرا فقط ، فمدح الله من يؤمن في حال غيبته عن كل أحد كما يؤمن ظاهرا ، ويحتمل أن المراد بالغيب القلب سمي بذلك لخفائه أي يؤمنون بحالة السر وهو الإيمان القلبي ، فالمصدر باق على حاله وفيه رد على المنافقين أيضا حيث قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
قوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) إما مأخوذة من الصلاة اللغوية بمعنى الدعاء لأنها مشتملة عليه في الركوع والسجود وعليه فأصلها صلوة تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، وقيل من الوصلة لأنها وصلة بين العبد وبين ربه ، وعليه فأصلها وصلة قلبت ألفا مكانيا فصار صلوة تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا. وقوله : (يُقِيمُونَ) من قومت العود عدلته. قوله : (أي يأتون بها بحقوقها) أي الظاهرية كالشروط والآداب والأركان ، والباطنية كالخشوع والخضوع والإخلاص. قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) فيه حذف نون من التبعيضية لفظا وخطا لإدغامها في ما الموصولة ، ورزقنا صلة الموصول ونا فاعل والهاء مفعول أول وحذف المفعول الثاني فيصح تقديره متصلا أي رزقناهموه ، أو منفصلا أي رزقناهم إياه على حد قول ابن مالك وصل أو افصل هاء سلنيه. قوله : (أعطيناكم) أشار بذلك إلى أن الرزق معناه الملك ، وليس المراد به الرزق الحقيقي ، إذ لا يتأتى تعديه لغيره وقدم الجار والمجرور للإهتمام. قوله : (يُنْفِقُونَ) إي إنفاقا واجبا كالزكاة والنفقة على الوالدين والعيال ، أو مندوبا كالتوسعة على العيال ومواساة الأقارب والفقراء. قوله : (في طاعة الله) في تعليله أي من أجل طاعة الله لا رياء ولا سمعة ، قال الله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ).