اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) حافظا لأعمالكم فمجازيكم بها أي لم يزل متصفا بذلك ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه (وَآتُوا الْيَتامى) الصغار الألى لا أب لهم (أَمْوالَهُمْ) إذا بلغوا (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) الحرام (بِالطَّيِّبِ) الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال
____________________________________
إلا أنها خلاف الكثير ، وقد أشار لذلك ابن مالك بقوله :
وعود خافض لدى عطف على |
|
ضمير خفض لازما قد جعلا |
وليس عندي لازما إذ قد أتى |
|
والنظم والنثر الصحيح مثبتا |
فأشار بالنثر الصحيح إلى الآية ، والنظم إلى قول الشاعر :
قد بت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيام من عجب |
بجر الأيام. قوله : (وكانوا يتناشدون بالرحم) هذا مرتب على القراءة الثانية ، أي فالمعنى اتّقوا الله لأنكم تتناشدون به ، واتقوا الأرحام لأنكم تتناشدون بها ، ومن التناشد بها قول هارون لأخيه موسى صلوات الله وسلامه عليهما : «يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي». قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) هذا تعليل لقوله : (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) والرقيب لغة من ينظر في الأمور ويتأمل فيها ، واصطلاحا الحفيظ الذي لا يغيب عن حفظه شيء ، وهذا المعنى هو المراد في حق الله تعالى. قوله : (حافظا لأعمالكم) أي جميعها خيرها وشرها ، سرها وجهرها ، قال تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ). قوله : (أي لم يزل متصفا بذلك) جواب عن سؤال مقدر تقديره أن لفظ كان يفيد الانقطاع ، فيفيد أن الله اتّصف بالحفظ فيما مضى وانقطع ، فأجاب بأن كان هنا للاستمرار ، أي هو متصف بذلك أزلا وأبدا. قوله : (ونزل في يتيم) أي بحسب ما كان ، وإلا فوقت طلبه رشيدا. قوله : (طلب من وليه) أي وكان عما لذلك اليتيم. قوله : (فمنعه) أي فلما منعه شكا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية ، فلما سمعها الولي قال أطعت الله وأطعت رسوله ، ونعوذ بالله من الحوب الكبير.
قوله : (وَآتُوا الْيَتامى) شروع في ذكر مواطن التقوى ، وقدم مال اليتيم لأن فيه وعيدا عظيما وتحذيرا شديدا ، واليتامى جمع يتيم ويجمع أيضا على أيتام من اليتيم وهو لغة الانفراد ، ومنه الدرة اليتيمة بمعنى عديمة المثيل ، ومنه يتيم سيد الكائنات عليه أفضل الصلاة والسّلام ، قال العارف :
أخذ الإله أبا النبي ولم يزل |
|
برسوله الفرد الكريم رحيما |
نفسي الفداء لمفرد في يتمه |
|
والدر أحسن ما يكون يتيما |
واصطلاحا أشار له المفسر بقوله : (الألى) لا أب لهم ، أي ولو كانت أمهم موجودة ، فاليتيم في الآدمي من كان معدوم الأب وهو صغير ، وفي غيره من كان معدوم الأم ، فإن مات الأبوان قيل للصغير لطيم ، وإن ماتت أمه فقط قيل له عجمي. قوله : (الآلى) بضم الهمزة وفتح اللام اسم موصول جمع الذي كالذين. قوله : (إذا بلغوا) أي وكانوا راشدين ، بدليل قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) الآية.
قوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) هذا نهي آخر ، وكان ولي اليتيم في الجاهلية يأخذ مال اليتيم