شقي السؤال وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر بقوله (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي هم أولى به (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) إنفاق أو غيره (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢١٥) فمجاز عليه (كُتِبَ) فرض (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) للكفار (وَهُوَ كُرْهٌ) مكروه (لَكُمْ) طبعا لمشقته (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) لميل النفس إلى الشهوات الموجبة لهلاكها ونفورها عن التكليفات الموجبة لسعادتها فلعل لكم في القتال وإن كرهتموه خيرا لأن إما الظفر والغنيمة أو الشهادة والأجر ، وفي تركه وإن أحببتموه شرا لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما هو خير لكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦) ذلك فبادروا
____________________________________
واكتفى بجوابه. قوله : (مِنْ خَيْرٍ) أي حلال. قوله : (الذي هو أحد شقي السؤال) أي المذكور في الآية ، قوله : (وأجاب أي عن المصرف الخ) أي الذي سؤاله مطوي.
قوله : (وَالْأَقْرَبِينَ) أي من أولاد وإخوة وأعمام وعمات ، وهو من عطف العام على الخاص ، وصرح بذكر الوالدين وإن دخلا في الأقربين اعتناء بشأنهما. قوله : (وَالْيَتامى) جمع يتيم وهو من فقد أباه وهو دون البلوغ ، وقدم اليتامى على المساكين لعجزهم عن التكسب. قوله : (وَالْمَساكِينِ) المراد بهم ما يشمل الفقراء. قوله : (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي الغريب المسافر. قوله : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) ما شرطية ، وتفعلوا فعل الشرط ، وما بعد الفاء جوابه ، وأتى بتلك الجملة طمأنينة للمؤمن في الاكتفاء بوعد الله في المجازاة لأنه وعد بها ووعده لا يتخلف ، ومع ذلك لا يغيب عن علمه مثقال ذرة ، فيلزم من علمه بالخير من العبد مجازاته عليه ، والأسرار بنفقة التطوع أفضل لأن صاحبها من جملة من يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. قوله : (أو غيره) أي كالكلام اللين الطيب. قوله : (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) أي وقد التزم جزاءه وحقيق بأن ينجزه.
قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أي وكان فرضه بعد الهجرة بعد أن نهى رسول الله عنه في نيف وسبعين آية ، وهو فرض عين إن فجأ العدو ، وكفاية إن لم يفجأ بأن كان في بلده ونحن الطالبون له. قوله : (الكفار) أي الحربيين أهل الذمة فيحرم قتالهم. قوله : (طبعا) أي فهو مكروه من جهة الطبع ولا يلزم من كون الطبع يكرهه أنه كاره حكم الله به ، بل هو من باب مخالفة النفس. قوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) الترجي في كلام الله ليس على بابه بل هو للتحقيق لأنه خبر من أحاط بكل شيء علما ، وعسى هنا تامة تكتفي بمرفوعها قال ابن مالك :
بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد |
|
غنى بأن يفعل عن ثان فقد |
قوله : (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) جملة حالية من قوله شيئا أو صفة له ، فاستشكل كل منهما بأن الحال لا يتأتى من النكرة بدون مسوغ وبأن الصفة لا تقترن بالواو. وأجيب عن الأول بأن إتيان الحال من النكرة بدون مسوغ قليل ، وعن الثاني أن الصفة أجريت مجرى الحال في جواز اقترانها بالواو ، قوله الموجبة لسعادتها أي فالسعادة في طاعة الله والشقاوة في معاصيه. قوله : (إما الظفر والغنيمة) أي لمن عاش. قوله : (أو الشهادة والأجر) أي لمن مات. قوله : (لأن فيه الذل) أي بغلبة العدو علينا. وقوله : (والفقر) أي لكونه يسلب مالنا. وقوله : (وحرمان الأجر) أي المترتب على الجهاد في سبيل الله وهو مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة