(وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) منهزمين (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١١١) عليكم بل لكم النصر عليهم (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) حيثما وجدوا فلا عزلهم ولا اعتصام (إِلَّا) كائنين (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) المؤمنين وهو عهدهم إليهم بالأمان على أداء الجزية أي لا عصمة لهم غير ذلك (وَباؤُ) رجعوا (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ) تأكيد (بِما عَصَوْا) أمر الله (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (١١٢) يتجاوزون الحلال إلى الحرام (لَيْسُوا) أي أهل الكتاب (سَواءً) مستوين (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) مستقيمة ثابتة على الحق كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ) أي في ساعاته (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (١١٣) يصلون حال (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
____________________________________
قوله : (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ليس معطوفا على جواب الشرط ، وإلا لأوهم أنهم قد ينصرون من غير قتال ، بل هو مستأنف ليفيد سلب النصرة عنهم في جميع الأحوال. قوله : (أَيْنَما ثُقِفُوا) أين اسم شرط وثقفوا فعل الشرط وجوابه محذوف لدلالة ضربت عليهم الذلة عليه ، التقدير أينما ثقفوا تضرب عليهم الذلة. قوله : (فلا عز لهم) أي ولذا لم يوجد منهم سلطان أصلا فالذل قد علاهم للمؤمنين والنصارى لقوله تعالى : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا). قوله : (ولا اعتصام) معطوف على قوله فلا عز لهم ، وقدر ذلك ليرتب قوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) عليه إشارة إلى أنه مستثنى من محذوف. قوله : (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) أي وهو الإيمان. قوله : (أي لا عصمة لهم غير ذلك) أي لكن إن كان اعتصامهم بحبل من الله ارتفع عنهم الذل وعصموا نفوسهم وأموالهم ، وإن كان من الناس فقد عصموا نفوسهم وأموالهم وعاشوا في الذل. قوله : (ذلك) أي المذكور من ضرب الذلة والمسكنة والغضب من الله. قوله : (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ) أي فقتلوا أول النهار سبعين نبيا وآخره أربعمائة عابد. إن قلت : إن القاتل للأنبياء أجدادهم فلم أوخذوا بفعل أصولهم أجيب بأن رضا الفروع بقتل أصولهم الأنبياء صيره كأنه واقع منهم ، فالقتل وقع من أصولهم بالفعل ومنهم بالعزم والتصميم فهم الآن لو تمكنوا من النبي والمسلمين ما أبقوا واحدا. قوله : (بِغَيْرِ حَقٍ) أي حتى في اعتقادهم ، فاعتقادهم عدم الحقيقة مطابق للواقع غير أنه عناد منهم. قوله : (تأكيد) أي فالعصيان والإعتداء هو عين الكفر وقتل الأنبياء ، ويحتمل أنه ليس تأكيدا بل هو علة للعلة ، أي فعلة ضرب الذلة والمسكنة والغضب من الله كفرهم وقتلهم الأنبياء ، وعلة الكفر والقتل عصيانهم أمر الله وتجاوزهم الحد.
قوله : (لَيْسُوا سَواءً) هذه الجملة راجعة لجميع أهل الكتاب أي هم غير مستوين في العقيدة ، بل منهم من هو على حق ومنهم من هو على باطل. قوله : (مستوين) دفع بذلك ما يقال إن سواء خبر عن الواو في ليسوا فكان حقه أن يجمع مطابقة له ، فأجاب بأن سواء مصدر من التسوية بمعنى مستوين. قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ) هذا كالتفصيل لقوله ليسوا سواء. قوله : (كعبد الله بن سلام وأصحابه) أي من اليهود ، وكالنجاشي وأربعين من نصارى نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثلاثة من الروم ، كجماعة من الأنصار كأسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن سلمة وصرمة ابن أنس ، كانوا يتعبدون بما يعرفون من الشرائع القديمة ، فما بعث النبي صدقوه ونصروه. قوله : (آناءَ اللَّيْلِ) إما جمع أنى كعصا أو أنى كظبي أو أنى كحمل أو أنو كجرو. قوله : (أي في ساعاته) أي اللغوية وهي دقائقه ولحظاته ،