الحلال إلى الحرام (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ) أي لوطا وأتباعه (مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (٨٢) من أدبار الرجال (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٨٣) الباقين في العذاب (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) هو حجارة السجيل فأهلكتهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (٨٤) (وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) معجزة (مِنْ رَبِّكُمْ) على صدقي (فَأَوْفُوا) أتموا (الْكَيْلَ
____________________________________
ما أحل له وتجاوز الحد ، لوضعه الشيء في غير محله ، لأن الأدبار ليست محلا للولادة التي هي المقصودة بالذات.
قوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) القراءة على نصب جواب خبرا لكان ، واسمها أن وما دخلت عليه ، وقرأ الحسن بالرفع اسم كان ، وأن وما دخلت عليه خبرها ، وما مشى عليه الجماعة أفصح عربية ، لأن الأعراف وقع اسما ، والواو هنا للتعقيب لحلولها محل الفاء في النمل والعنكبوت ، لأن جوابهم لم يتأخر عن نصيحته والحصر نسبي ، والمراد أنه لم يقع منهم جواب عن نصح وموعظة ، فلا ينافي أنهم زادوا في الجواب من الكلام القبيح. قوله : (مِنْ قَرْيَتِكُمْ) أي سذوم. قوله : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) قالوا ذلك استهزاء.
قوله : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) أي ابنته ، لأنه لم ينج من العذاب إلا وهو وابنتاه لإيمانهما به ، فخرج لوط من أرضه ، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم ، وسيأتي تمام القصة في سورة هود ، وإنما ذكرت هنا اختصارا. قوله : (الباقين في العذاب) أي لأن الغبر من باب قعد ، يستعمل بمعنى البقاء في الزمان المستقبل ، وبمعنى المكث في الزمان الماضي ، والمراد الأول. قوله : (وَأَمْطَرْنا) يقال غالبا في الرحمة مطر ، وفي العذاب أمطر ، وعلى كل هو متعد ينصب المفعول. قوله : (هو حجارة السجيل) أي وكانت معجونة بالكبريت والنار ، وهلكوا أيضا بالخسف ، قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) ، ورد أن جبريل رفع مدائنهم إلى السماء ، وكانت خمسة ، وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ، وأمطر عليهم الحجارة متتابعة في النزول عليها اسم كل من يرمي بها ، وقيل إن الحجارة لمن كان مسافرا منهم ، والخسف لمن كان في المدائن.
قوله : (فَانْظُرْ) لكل سامع يتأتى منه النظر والتأمل ، ليحصل الاعتبار بما وقع لهؤلاء القوم. قوله : (وَإِلى مَدْيَنَ) معطوف على قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) عطف قصة على قصة ، ولذا قدر المفسر أرسلنا ومدين اسم قبيلة شعيب ، واسم لقريته أيضا ، بينها وبين مصر ثمانية مراحل ، سميت باسم أبيهم مدين ابن إبراهيم الخليل عليهالسلام ، وشعيب بن ميكائيل بن بشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل ، فشعيب أخوهم في النسب ، وليس من أنبياء بني إسرائيل ، وقوله : (شُعَيْباً) بدل من أخاهم ، أو عطف بيان عليه ، وأرسل شعيب أيضا إلى أصحاب الأيكة ، وهي شجر ملتف بعضه ببعض بالقرب من مدين ، قال تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ). قوله : (معجزة) لم تذكر تلك المعجزة في القرآن ، وقيل المراد بها نفسه ، بمعنى أن أوصافه لا يمكن معارضتها ، وقيل المراد بها. قوله : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) الخ ، بمعنى ما يترتب عليها من العز للمطيع ، والذل والعقاب للمخالف.