استفهام إنكاري (قُلْ) لهم (لا أَشْهَدُ) بذلك (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩) معه من الأصنام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا بنعته في كتابهم (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) منهم (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٠) به (وَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك إليه (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) القرآن (إِنَّهُ) أي الشأن (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١) بذلك (وَ) اذكر (يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا)
____________________________________
قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) اللام لام الابتداء زحلقت الخبر. قوله : (استفهام إنكاري) أي والمعنى لا يصح منكم هذه الشهادة لأن المعبود واحد. قوله : (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) إنما أداة حصر ، وما كافة ، وهو مبتدأ ، وإله خبره ، وواحد صفته ، وهو زيادة في الرد عليهم ، وهو من حصر المبتدأ في الخبر.
قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي اليهود والنصارى ، فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل. قوله : (أي محمدا) تفسير للضمير في (يَعْرِفُونَهُ) ، ويصح أن يرجع الضمير للقرآن أو لجميع ما جاء به رسول الله من التوحيد وغيره. قوله : (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) أي معرفة كمعرفتهم لأبنائهم ، وهذا من التنزلات الربانية ، وإلا فهم يعرفونه أشد من معرفتهم لأبنائهم لما روي أن عمر بن الخطاب سأل عبد الله ابن سلام بعد إسلامه عن هذه المعرفة ، فقال : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ، ولأنا أشد معرفة بمحمد مني بابني ، فقال عمر : كيف ذلك؟ فقال أشهد أنه رسول الله حقا ولا أدري ما تصنع النساء. قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) مبتدأ والجملة نعت للذين آتيناهم الكتاب ، ويؤيده قول المفسر منهم.
قوله : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) خبر المبتدأ وقرن بالفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط وهو العموم ، والمعنى أن من سبق في علم الله خسرانه ، فلا يتأتى له الإيمان في الدنيا ، وذلك أن الله جعل لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار ، فإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة ، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار ، وقد علمت مما تقدم أن المؤمن واحد من ألف ، فتكون منازل الكفار التي يرثها المؤمنون في الجنة لكل واحد تسعمائة منزل وتسعة وتسعون تضم لمنزله ، ومنازل المؤمنين التي تركت لأهل النار منزل من ألف يزاد لهم ، فيؤخذ منه أن الجنة واسعة جدا ، وأن النار ضيقة جدا لا سيما مع عظم جسم الكافر فيها ، حيث يكون ضرسه كأحد. قال تعالى (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وقال تعالى : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ). قوله : (به) أي بمحمد أو بالله أو بالقرآن أو بما جاء به محمد. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، والمعنى ليس أحد أظلم ممن فعل واحدا من الأمرين الافتراء والتكذيب ، فما بالك بمن جمع بينهما كالمشركين وأهل الكتاب ، فإن كلا منهما وقع منه الأمران. قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا يفوزون بمطلوبهم. وقوله : (بذلك) أي بسبب ما ذكر وهو الافتراء أو التكذيب.
قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) ظرف متعلق بمحذوف قدره المفسر ، والضمير في نحشرهم عائد على الخلق مسلمهم وكافرهم ، ويصح عوده على المشركين ، فقوله بعد ذلك (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) إظهار في محل الإضمار زيادة في التشنيع عليهم. قوله : (جَمِيعاً) حال من ضمير نحشرهم. قوله : (ثُمَّ نَقُولُ) أتى