الحق (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) عالمون بأن الدين المرضي القيم هو دين الإسلام كما في كتابكم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٩) من الكفر والتكذيب وإنما يؤخركم إلى وقتكم ليجازيكم. ونزل لما مر بعض اليهود على الأوس والخزرج فغاظه تآلفهم فذكرهم بما كان بينهم في الجاهلية من الفتن فتشاجروا وكادوا يقتتلون (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (١٠٠) (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) استفهام تعجيب وتوبيخ (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ) يتمسك (بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٠١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فقالوا يا
____________________________________
واعوجت الحائط ، بمعنى قام بالأول العوج بالكسر ، وبالثاني للعوج بالفتح ، والمعنى تتركون السبيل المعتدلة وتطلبون السبيل المعوجة. قال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). قوله : (مصدر) أي حال من ضمير تبغونها. قوله : (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) الجملة حالية من الواو في تبغونها. قوله : (كما في كتابكم) المراد به الجنس الصادق بالتوراة والأنجيل.
قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) دفع بذلك توهم أن الله حيث أمهلهم فهو غافل عنهم ، وقال تعالى أيضا : (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) الآيات. قوله : (من الكفر إلخ) بيان لما. قوله : (ونزل لما مر بعض اليهود) أي واسمه شاس. قوله : (فغاظه تآلفهم) أي توددهم ومحبة بعضهم لبعض ، بعد أن كان ما كان بينهم من الشحناء والبغضاء. قوله : (فذكرهم) ورد أنه كان معه شاب يهودي فقال له اذهب إلى بني قيلة هؤلاء وقل لهم أتذكرون يوم بعاث ، واذكر لهم ما تناشدوه بينهم من الأشعار التي فيها الهجو لبعضهم بعضا ، وكان يوم بعاث عظيما في اقتتال الأوس والخزرج ، وكان الغلبة فيه للخزرج ، فذهب ففعل كما أمره ، فقالوا السلاح السلاح ، فنزل جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم بالآيات إلى قوله : (لعلكم تهتدون) فخرج النبي مع بعض اصحابه فوجدهم في الصحراء مصطفين للقتال ، فقال يا معشر المسلمين أتدعون بدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع عنكم إصر الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمك الله بالإسلام وقطع عنكم إصر الجاهلية وألف بين قلوبكم ، وقرأ عليهم الآيات ، فعلموا أنها نزعة من عدوهم ، فألقوا السلاح وصار يعانق بعضهم بعضا ، قال جابر بن عبد الله : ما رأيت يوما أشأم منه ولا أسر منه ، كان أوله شؤما وآخره سرورا ، قوله : (فَرِيقاً) هو شاس واتباعه ، قوله : (يَرُدُّوكُمْ) أي يصيروكم فالكاف مفعول أول ، وكافرين مفعول ثان فرد تنصب مفعولين ، كقول الشاعر :
فرد وجوههن البيض سودا |
|
ورد شعورهن السود بيضا |
قوله : (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) هاتان الجملتان حالان والمعنى كيف يحصل منكم الكفر والحال أنكم تتلى عليكم آيات الله أي القرآن وفيكم رسوله محمد فهذا الأمر مستبعد أن يكون بعد تمام الهدى والكفر والضلال. قوله : (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي دين قيم لا اعوجاج فيه وهو دين الإسلام. قوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) صفة المصدر محذوف أي تقوى حق تقاته. قوله : (بأن يطاع إلخ) تصوير للتقوى حق التقوى ، وهذه أخلاق الأنبياء والمرسلين لعصمتهم وتكون لخواص عباد الله الذين على