رسول الله ومن يقوى على هذا فنسخ بقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٢) موحدون (وَاعْتَصِمُوا) تمسكوا (بِحَبْلِ اللهِ) أي دينه (جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) بعد الإسلام (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) إنعامه (عَلَيْكُمْ) يا معشر الأوس والخزرج (إِذْ كُنْتُمْ) قبل الإسلام (أَعْداءً فَأَلَّفَ) جمع (بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام (فَأَصْبَحْتُمْ) فصرتم (بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) في الدين والولاية (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا) طرف (حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفارا (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بالإيمان (كَذلِكَ) كما بين لكم ما ذكر (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠٣) (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) الإسلام (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
____________________________________
قدم الأنبياء ولذلك قال بعض العارفين :
ولو خطرت لي في سواك إرادة |
|
على خاطري يوما حكمت بردتي |
ولكن ليس معنى ذلك أنه يكون كافرا يستحق الخلود في النار ، بل هذا لسان محب عاشق وردته نقصه عن مرتبة حبه إلى مرتبة أدنى منها في الحب ، وأما القرآن فنزل على أخلاق العوام لتعليمهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين ، فنسخ الآية من حيث التكليف بهذا المعنى على سبيل الوجوب ، وأما الرقي لتلك المراتب فمما يتنافس فيه المتنافسون على سبيل التطوع والتقرب فتدبر. قوله : (فنسخ بقوله إلخ) أي فيقال في قوله : (بأن يطاع) بحسب الطاقة ، وقوله : (فلا يعصى) يعني أصلا ، وكذا قوله : (ويشكر ولا يكفر ويذكر فلا ينسى) ويناسب الناسخة قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) وقيل إن الآية ليست منسوخة بل آية (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) مبينة للمراد منها. قوله : (وَلا تَمُوتُنَ) أي يا بني قيلة الأوس والخزرج ، قوله : (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي فلا يكن منكم موت على حالة دون حالة الإسلام ، والمعنى دوموا على الإسلام إلى الممات ، ولا تغيروا ولا تبدلوا لئلا يصادفكم الموت في حالة التغيير ، قال المفسر في بعض كتبه وما شاع من تفسير قوله تعالى : (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) متزوجون فهو باطل لا أصل له ، ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي ، وخص حالة الموت بذلك لأن ثمرة الأعمال تظهر في تلك الحالة والمدار عليها.
قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) أي حين الدخول في الإسلام. وقوله : (وَلا تَفَرَّقُوا) أي فدوموا على الإجتماع ولا يكن منكم تفرقة. قوله : (أي دينه) أي أو القرآن ، وفي الكلام استعارة حيث شبه الدين أو القرآن بالحبل ، واستعير اسم المشبه به وهو الحبل للمشبه ، وهو الدين أو القرآن على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية ، والجامع بينهما التوصل للمقصود في كل ، وإضافته للفظ الجلالة قرينة مانعة والاعتصام ترشيح ، وفيه استعارة تصريحية تبعية حيث شبه الوثوق بالإعتصام ، واستعار الإعتصام للوثوق ، واشتق من الإعتصام اعتصموا بمعنى ثقوا ، قوله : (إِخْواناً) خبر ثان لأصبحتم ، وقوله : (والولاية) أي النصرة أي ينصر بعضكم بعضا. قوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أي يزيدكم بيانا ما دام رسول الله فيكم ، قوله : (تَهْتَدُونَ) أي تدومون على الهداية وتزيدون فيها.
قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) يحتمل أنها ناقصة ، وأمة اسمها ويدعون خبرها ، ومنكم إما ظرف لغو متعلق بتكن أو حال من أمة أو من الواو في يدعون أو تامة وأمة فاعلها ، وجملة يدعون صفة لأمة