الرَّاكِعِينَ) (٤٣) أي صلي مع المصلين (ذلِكَ) المذكور من أمر زكريا ومريم (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أخبار ما غاب عنك (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) يا محمد (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) في الماء يقترعون ليظهر لهم (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ) يربي (مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤) في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي ، اذكر (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) أي جبريل (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) أي ولد (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) خاطبها بنسبته إليها
____________________________________
خديجة وفاطمة وعائشة ، وهذه طريقة مرجوحة ، والحق أن مريم أفضل النساء على الاطلاق ثم فاطمة ثم خديجة ثم عائشة ، قال بعضهم في ذلك :
فضلى النسا بنت عمران ففاطمة |
|
خديجة ثم من قد برأ الله |
وبالجملة فأفضل النساء خمسة : مريم وخديجة وفاطمة وعائشة وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي صلىاللهعليهوسلم في الجنة وكذلك مريم. قوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي) تكرار الخطاب باسمها يفيد ما قلنا أولا من أنه اشار لرد ما قيل إنها زوجته. قوله : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) قدم السجود لشرفه والواو لا تقتضي ترتيبا إن كانت صلاتهم كصلاتنا من تقديم الركوع على السجود ، وإن كانت بالعكس فالأمر ظاهر. قوله : (مَعَ الرَّاكِعِينَ) لم يقل مع الراكعات ، إما لدخول جمع المؤنث في المذكر بالتغليب ، أو المعنى صلي كصلاة الرجال من حيث الخشية وعلو الهمة ، لا كصلاة النساء من حيث التفريط وعدم الخشية. قوله : (نُوحِيهِ) أي المذكور فالضمير عائد على اسم الإشارة لأفراده. قوله : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) أي وقت القائهم اقلامهم. قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) هذا بمعنى ما قبله ، والمعنى يختصمون قبل القاء الأقلام. قوله : (فتعرف ذلك الخ) مسبب عن النفي أي ما كنت حاضرا حتى تعرف ذلك وتخبر به ، وإنما عرفته من جهة الوحي لا من جهة غيره ، لأن بلده ليست بلد علم ، ولم يجلس بين يدي معلم ، ولم يقرأ كتابا ، ولم يكن هو ولا أحد من اجداده حاضرا وقت حصول تلك الوقائع ، فتعين أن يكون ذلك بوحي من الله ، قال العارف :
كفاك بالعلم في الأمي معجزة |
|
في الجاهلية والتأديب في اليتم |
قوله : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) قدر المفسر اذكر إشارة إلى أن إذ ظرف معمول لمحذوف ، وهذا شروع في ذكر قصة عيسى وما فيها من العجائب. قوله : (أي جبريل) أي فهو من باب تسمية الخاص باسم العام. قوله : (يُبَشِّرُكِ) البشارة هي الخبر السار وضدها النذارة وهي الخبر الضار. قوله : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) أي الله. قوله : (أي ولد) أي مولود وعبر عنه بالكلمة لأنه يقول كن من غير واسطة مادة ، واتفق أن نصرانيا قدم على الرشيد فوجد عنده الحسن بن علي الواقدي ، فقال النصراني للخليفة والعالم : إن في كلام الله آية تدل على أن عيسى جزء من الله ، فقال له : وما تلك الآية؟ فقال النصراني : (إن الله يبشرك بكلمة منه) فمن للتبعيض ، فمقتضى ذلك أنه جزء منه ، فقال الشيخ : إذا كانت من للتبعيض هنا فكذلك هي في قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) إذ لا فرق بينهما ، فبهت النصراني واسلم ، واغدق الخليفة على الشيخ اغداقا عظيما وكان يوما مشهودا ، وإنما من للابتداء على حد إن الله خلق نور نبيك من نوره ، والمعنى خلقه بلا واسطة مادة. وأعلم أن تلك البشارة تضمنت خمسة عشر وصفا.