وتصافوا (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ) اصبب (عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) بتقوية قلوبنا على الجهاد (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٢٥٠) (فَهَزَمُوهُمْ) كسروهم (بِإِذْنِ اللهِ) بإرادته (وَقَتَلَ داوُدُ) وكان في عسكر طالوت (جالُوتَ وَآتاهُ) أي داود (اللهُ الْمُلْكَ) في بني إسرائيل (وَالْحِكْمَةَ) النبوة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) كصنعة الدروع ومنطق الطير (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ) بدل بعض من الناس (بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١) فدفع بعضهم
____________________________________
لقتالهم) أي فلم يبق بينهم حجاب أبدا ، بل خرجوا في البراز الذي هو صحراء الأرض. قوله : (اصبب) (عَلَيْنا صَبْراً) أي كصب الماء على الأرض الجرز.
قوله : (وَقَتَلَ داوُدُ) أي ابن أيشا وكان أيشا من جملة عسكر طالوت ، وكان أولاده ثلاثة عشر معه أصغرهم داود وكان يرعى الغنم ، فلما خرجوا للقتال مر داود بحجر فناداه يا داود احملني فإني حجر هارون ، فحمله ثم مر بآخر فقال له احملني فإني حجر موسى فحمله ، ثم مر بآخر فقال له احملني فإني حجرك الذي تقتل به جالوت فحمله ، ووضع الثلاثة في مخلاته ، فلما تصافوا للقتال نادى طالوت كل من يقتل جالوت أزوجه ابنتي وأناصفه في ملكي ، فلم يتقدم أحد ، فسأل طالوت شمويل فدعا ربه فأتى بقرن فيه دهن وقيل له إن الذي يقتل جالوت هو الذي إذا وضع الدهن على رأسه لا يسيل على وجهه ، فدعا طالوت القوم فصار يدهن رؤوسهم فلم تصادف تلك الصفة أحدا ، إلى أن وصل لداود فصادف ، فقال له أنت تبرز له؟ فقال نعم ، فأتى بالمقلاع وأخرج حجرا من مخلاته وقال باسم رب إبراهيم ، وأخرج حجرا آخر وقال باسم رب إسحاق ، وأخرج حجرا آخر وقال باسم رب يعقوب ، ثم وضعها في مقلاعه فصارت الثلاثة حجرا واحدا ، فرمى به جالوت فأصابه في خوذته وخرج من دماغه فقتل ثلاثين رجلا ، فأخذ داود جالوت حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح هو ومن معه من بني إسرائيل وزوجه ابنته وأعطاه نصف الملك ، فمكث كذلك أربعين سنة ، فلما مات طالوت وشمويل انفرد فعاش نبيا ملكا سبع سنين ، ثم خلفه سليمان ولده في النبوة والملك. قوله : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي استقلالا سبع سنين. قوله : (كصنعة الدروع) أي وكان يلين في يده من غير نار وينسجه كالغزل. قوله : (ومنطق الطير) أي فهم أصواتها بل وجميع الحيوانات.
قوله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) أي لو لا أن الله دفع الناس وهم أهل الكفر والمعاصي ، ببعض الناس وهم أهل الإيمان والطاعة ، لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد ، وقيل معناه لو لا دفع الله بالمؤمنين والأبرار على الكفار والفجار لفسدت الأرض أي هلكت ومن فيها ، ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر ، وبالصالح عن الفاجر ، وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيت من جيرانه البلاء» ثم قرأ (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) الآية. قوله : (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) يعني دفع الفساد على هذا الوجه بطريق إنعام الله وتفضله فعم الناس كلهم ، ومن المعلوم أن لو لا حرف امتناع لوجود فالمعنى امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم عن بعضهم ، وهذه الآية كالدليل لما ذكر في القصة من مشروعية القتال ،